الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أنني إنسانة تافهة بلا هدف في الحياة ولا أفهم ذاتي، ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة بعمر 22 عاماً، خجولة جداً وغير اجتماعية منذ صغري، لا أستطيع تكوين صداقات بسهولة، وقلما أتحدث مع الأشخاص، لذلك صداقاتي محدودة للغاية، ومتغيرة من مرحلة لأخرى.

كما أني شديدة الحساسية تجاه النقد والكلام الجارح، وقد كنت دائمة البكاء في صغري، إلا أنني الآن أصبحت قادرة -إلى حد ما-، على السيطرة على مشاعري أمام الآخرين.

منذ نحو ثلاث سنوات أصبحت أشعر بتذبذب شديد في مشاعري تجاه المقربين مني، من الممكن في لحظات أن أحبهم جداً، وبعد دقيقة أكرههم جداً لتصرف بسيط، أو كلمة صغيرة ذكروها في حديثهم معي، ولا أشعر بما يحاولون إظهاره لي من حب، فإذا قالوا أنهم يحبونني، أشعر في داخلي أن كلامهم ثقيل على قلبي، وبلا معنى، ولكنني أحاول قدر المستطاع ان أسيطر على تلك المشاعر لكي لا يشعروا بها، وأضطر لمحاولة إظهار حبي لهم، إلا أن ذلك يؤثر كثيراً على نفسيتي، ويدخلني في حالة من الضيق الشديد والغضب من كل شيء، ويبقى كل ذلك في داخلي، ويجعلني مزاجية بشكل أكبر.

كثيراً ما أشعر بأني لا أحب أصدقائي، أو أكرههم، ولا أشعر تجاههم بشيء محدد، بالرغم من أن وجودهم شيء جيد وممتع، إلا أني كثيراً ما أفضل الوحدة والعزلة.

علماً بأن أصدقائي في الوقت الحالي رغم قلتهم إلا أنني أثق في حبهم الشديد لي، لكنني أتصنع حبي لهم، وأشعر بالفراغ في داخلي.

أحب دائماً أن أعيش في عالمي الخاص، من هم حولي يصفونه بأنه مريب وغريب، وهذا صحيح بالفعل، لأنني أنجذب لكل ما هو "غريب" من وجهة نظرهم، حبي دائماً يكون لشخصيات خيالية أراها في الأفلام، وغالباً ما تكون عدوانية، أتعلق بها، وأحب أن أغوص في نفسية الأشخاص الذين يتصرفون بغرابة، وأقرأ عن شخصيات حقيقية كانت تمثل حالات غريبة ومختلفة، أشعر كأنني مهووسة بكل ما هو غريب منذ صغري، زاد ذلك كثيراً عندما كبرت.

من الأمور التي تبعث الضيق في نفسي أنني لا أستطيع إيجاد هواية أو هدف محدد أسعى لتحقيقه، فبالرغم من حبي للرسم، إلا أني أمل كثيراً من ممارسته، ومررت بفترة من النشاط والحيوية لممارسة تلك الهواية، وكنت أمكث في الرسم عدة ساعات، إلا أنني أشعر بالعجز عن الرسم، والملل فلا أكمل الرسمة، وكذلك الملل من كل الأشياء التي أحبها.

أشعر أنني إنسانة تافهة بلا هدف في الحياة، ولا أفهم ذاتي، وأرجو منكم المساعدة.

مع الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

في البداية أود أن أثني على شعورك بالرغبة في التغيير، وهذا دليل على رفض داخلي لسلبيات شخصيتك السابقة، وشعورك بأهمية التفاعل، والتواصل مع المجتمع بشخصية قوية جذابة محبة، وبأفضل الطرق ووسائل التواصل الفعال.

إن بداية أي مشكلة تعترض الإنسان يعود علماء النفس في حلها لسنوات الطفولة الأولى، إذ أن جذور المشاكل النفسية تنبت في السنوات الأولى من طفولة الإنسان وتنمو وتكبر معه، إذا لم يلتفت الأهل إليها، ولم يسارعوا في علاجها، بل قد تكون الأخطاء التربوية التي يقع بها الأبوان دون قصد سبباً في تفاقم المشكلة وتعقيدها، فأنت في رسالتك رسمت أبعاداً لشخصيتك، بأنك شخصية خجولة، غير اجتماعية، تميل إلى العزلة والانطواء، لا تبالي بمحبة الآخرين لها رغم يقينها بصدق هذه المشاعر، تميل إلى الشخصيات الخيالية والمريبة.

جميل أن تستطيعي توصيف مشكلتك وتشخيصها، لأنك بذلك تكونين قد وصلت لمنتصف الطريق، بقي علينا أن نتعرف على الأسباب التي أدت إلى هذه المشاكل لديك، ومن ثم ننطلق في رحلة العلاج -بإذن الله-، ومن أسباب الخجل والانطواء والميل إلى العزلة:

1- تربية الأبوين غير الصحيحة، -كما ذكرت- آنفاً، حيث يكون الوالدان شديدي الحرص على الطفل، فيكثران من التنبهات والتحذيرات، فيشعر الطفل أنه مقيد، يخاف من الأشخاص الذين لا يعرفونهم، ولا يأنس إليهم، فينشأ محباً للعزلة، لا يحب الاختلاط بالآخرين، عاجزاً عن التواصل معهم، وبناء علاقات صداقة.

2- الإدمان على التلفاز أو الأنترنت أو الألعاب الالكترونية، حيث يرى الطفل العالم فقط من خلال هذه النافذة، فيحب الشخصيات الخيالية، ويتعايش معها، وتغنيه عن الواقع وبناء العلاقات الاجتماعية السليمة.

3- ضعف الشخصية، والتركيز على نقاط الضعف، حيث لا يجد في نفسه القدرة على مجاراة من حوله، فيؤثر الصمت والعزلة.

* الحلول والعلاج: أنت الآن فتاة واعية مدركة تماماً لمشكلتك، تبلغين من العمر 22 سنة، لديك رغبة قوية في التغيير، وبناء شخصية اجتماعية متميزة وجذابة، وهذا واضح من خلال رسالتك، وهذه الرغبة كافية لتطوي صفحات الماضي بكل ما فيها، من خجل وانطواء، ومحبة وكره، وحساسية مفرطة اتجاه النقد، وكذا التعلق بالشخصيات الخيالية، وغير ذلك من النقاط السلبية التي ذكرت، والانطلاق في علاجها علاجاً فعالاً للتخلص منها نهائياً، واستبدالها بعادات إيجابية، وصفات تجعل شخصيتك متميزة، ولتحقيق ذلك أنصحك بما يلي:

1- وضع قائمة بالعادات السلبية التي تريدين التخلص منها، الخجل، الانطواء، التعلق بالشخصيات الخيالية، وغير ذلك من العادات السلبية، وأفضل الطرق للتخلص من العادات السلبية، هي أن تتخيلي نفسك بالوضع الأفضل، فمثلاً لعلاج الخجل تخيلي نفسك أنك شخصية منطلقة، اجتماعية، قادرة على التواصل مع الآخرين بأريحية، وقفي أمام المرآة وتخيلي هذه المواقف ومثليها تماماً، وغوصي مع أدق التفاصيل، وردة فعلك، وطريقتك في التعامل مع ردود فعل الطرف الآخر، وتحدثي بجرأة ووضوح، وارفعي صوتك، فالخيال سيساعدك على التخلص من الرهاب الاجتماعي الذي تعانين منه.

2- الابتعاد عن العزلة والوحدة، وحذار الجلوس لوحدك لساعات طويلة، فهذا يعزز الشعور بالوحدة، بل ألزمي نفسك دائماً على الجلوس مع العائلة، أو زيارة الأقارب، أو تنظيم مشاريع ترفيهية مع صديقاتك، أو من خلال المشاركات في فعاليات اجتماعية تطوعية، وغير ذلك مما يساعدك على الاندماج مع المجتمع أكثر فأكثر.

3- الابتعاد عن الجلوس أمام التلفاز أو الألعاب الالكترونية، أو وسائل التواصل الاجتماعي لفترات طويلة، فهذه من أكثر الأسباب التي تجعلك تميلين للعزلة، وتصنعين لنفسك عالمك الخاص، استبدليها بقراءة رواية مشوقة، أو كتاب عن فنون التواصل الفعال، أو كتب عن تطوير الذات، أو التعامل مع الآخرين أو غير ذلك من الكتب المفيدة، التي تزيد من رصيدك المعرفي والثقافي، وتعطيك طرق وأساليب وأفكار لتكوني شخصية اجتماعية متميزة، ولتزيدي الحماس لديك للقراءة والاستفادة، من الممكن أن تتفقي مع صديقاتك على قراءة كتاب كل أسبوع مثلاً أو شهر، ومن ثم تناقشون ما جاء فيه من فوائد وقيمة، فذلك سيعطيك الحماس والدافعية من جهة ومن جهة أخرى سيجعلك تستفيدين أكثر مما تقرئين.

4- ملء أوقات فراغك بالعمل المفيد، فالفراغ عدو الإنسان الأول، فيبدو أنك لديك الكثير من وقت الفراغ مما جعلك تفكرين كثيراً في الآخرين ومشاعرهم، وكلامهم، وغير ذلك، فأنت لم تذكري في رسالتك إن كنت حاصلة على شهادة جامعية أو لا، بكل الأحوال إن كنت لم تحصلي على شهادة جامعية، أنصحك أن تضعي لنفسك خطة وتعودي للدراسة من جديد، فأنت في مقتبل العمر، والمستقبل بانتظارك، حاملاً لك الكثير من المفاجآت والأشياء الجميلة، ولكن عليك أن تكوني مستعدة، وآخذة بالأسباب، وإن كنت لا تجدين في نفسك الميل للدراسة لا بأس، ضعي خطة لتطوير مهارات، من خلال دورات الحاسوب، أو تعلم اللغات، أو الأعمال اليدوية، أو الخياطة، أو حياكة الصوف، أو غير ذلك من المهارات التي تفتح لك مجالاً للعمل والكسب، حينها ستجدين نفسك تنشغلين بشكل تلقائي عن كل المشاعر السلبية التي تشعرين بها اتجاه الآخرين، وعن تعلقك بالشخصيات الغريبة والمريبة، وتفكيرك سيصبح أكثر إيجابية.

5- عودي نفسك على إحسان الظن بالآخرين فهذا سيعينك كثيراً في التخلص من الحساسية اتجاه النقد، ودائماً خذ كلام الآخرين على المنحنى الإيجابي.

6- تقوية الجانب الإيماني لديك، من خلال المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والتزام حلقات العلم في المسجد، وأيضاً المحافظة على الاستغفار وأوراد الصباح والمسكن، سيشعرك بالراحة النفسية وسكون القلب.

أسأل الله أن يجعلك من أهل الفلاح والصلاح في الدارين، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أسبانيا Omaru

    جزاكم الله خيرا.

  • الأردن اخاكم

    السلام عليكم و رحمة الله
    يا أختنا حفظكي الحافظ المنان
    .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    *"و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"*
    في ذكر الله *"صلاة . صيام . تسبيح . عمرة . حج . زكاة . صدقة . بر والدين . صلة رحم ... الأعمال التي يحبها الله و أمرنا بها و رسوله صل الله عليه و سلم
    مع الدوام و المحافظة عليها بإذن الله سبحانه و تعالى تنجلي من أمامك الغيوم و الشؤم
    أوصيكم و نفسي بتقوى الله بداية و نهاية
    ..
    صلاح الأمة بصلاح نسائها بعد علمائها
    حفظكم الله. . و وفقكم أهل هذا الموقع الاكارم

  • الجزائر ام.عبد.رحمن

    احسنت

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً