الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما المدة التي يحتاجها المرءأليشعر بالتحسن من أعراض الاكتئاب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لدي استفسار لم أذكره في استشارتي السابقة، إذ لم أكن قد بدأت في أخذ الدواء بعد، وأما الآن وبعد مضي أقل من أسبوعين من أخذي للزيروكسات بمعدل نصف حبة في الأسبوع الأول وحبة في هذا الأسبوع، وأخذت أيضاً أندرال 40، حيث وصف لي للضرورة، لكن لاحظت أن في رأسي ثقلاً، وأن الأعراض ما زالت موجودة بل زادت قليلاً، وأصبحت أكثر حساسية، فما تفسيركم لهذا؟ وهل هذا من آثار الدواء؟

مع أن هذه الأعراض هي مما كنت أعاني منه، وسؤالي هو: لماذا هي زائدة هذه الأيام؟ أوليس العكس هو المفروض؟

إذ أن الدواء يعمل على تقليلها وعلاجها، فكيف تفسرون هذا، حيث أنني لا أريد أن أفقد الثقة في هذا السبب، لأنني تأخرت عشر سنوات ولم أذهب لطبيب نفسي إلا هذه المرة، لكن بمجرد أن بدأت أشعر بعدم الاتزان ونوع من عدم الاستقرار إلا وبدأ الإحباط يتسلل إلي، وقمت بسؤال الطبيب المعالج فأجاب أن هذا ليس من مفعول الدواء.

فكم المدة التي يحتاجها المرء غالباً ليشعر بالتحسن الفعلي، وهل عدم التقدم في هذين الأسبوعين يمكن أن يعني أن الجسم لم يستجب للدواء، وهل الزيروكسات من الأدوية التي تعالج الرعشة، حيث أعاني من رعشة في رأسي، وهذا أكثر ما يسبب لي الإحراج، وإذا كانت هذه الأعراض بسبب التفاعل الكميائي للدواء فمتى من المفترض أن تختفي؟

أحسن الله إليكم وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالأعراض التي ذكرتها بالطبع هي من أعراض العصاب أو القلق، والذي يظهر في شكل نوع من الخوف الاجتماعي وعدم القدرة على المواجهة، وأعراضك من الواضح أنها في المكون العضوي والمكون النفسي، وكلاهما من أعراض الرهاب والخوف الاجتماعي.

وأما قولك: لماذا هذه الأعراض تتغير من فترة لأخرى؟ فإنه يعرف تماماً أن جميع الأمراض عضوية كانت أم جسدية تكون لها نوع من الزيادة والنقصان في الأعراض مع الاستمرار في العلاج، وبالنسبة للحالات النفسية بالذات، فهناك أعراض قد تختفي تماماً وتظهر أعراض جديدة، والتفسير لذلك هو أن الحركة الكيميائية البيولوجية التي تحدث في جسم الإنسان هي السبب في ذلك، وله تفسير أيضاً أن هذه الأعراض هي في الأصل موجودة، ولكن الإنسان في بداية المرض والعلاج يكون مشغولاً بالأعراض الشديدة والقوية، وحين تختفي هذه الأعراض الشديدة تأتي الأعراض التي تليها وتشد انتباه الإنسان بصورة أكبر، كما أن هناك بعض الأعراض قد تظهر كنوع من الآثار الجانبية للدواء.

ولا أعتقد أن الرعشة التي لديك هي من الآثار الجانبية للزيروكسات، بل هي من صميم أعراض الخوف والقلق والرهاب، وربما أنك لم تلاحظها منذ الوهلة الأولى أو ربما تكون اشتدت قليلاً نسبة للحركة البيولوجية، وفي هذه الحالة تكون إفراز مادة الأدرانيل قد ازداد وهو السبب، -وإن شاء الله- سوف يرجع لوضعه الطبيعي خاصة أنك تتناول عقار أندرال.

وبالنسبة الفكرة التي تراودك أن هذه الأعراض قد تكون سحراً، فهذا الأمر يراود الكثيرين، ولا شك أن الطب النفسي يقوم في الأصل على ما يشعر به المريض، ولا توجد قياسات أو فحوصات مادية تظهر للمريض أو للطبيب مدى شدة هذه الأعراض، ولا شك أن موضوع السحر والعين هي أمور منتشرة في مجتمعاتنا، والإيمان بها يعتبر أمراً جازماً بالنسبة للمسلم، ولكن بكل أسف هناك الكثير من المبالغات، وهناك تضخيم وتجسيم للأمر، كما أن هناك من استفاد من هذا الوضع.

والذي أراه أن أعراضك أعراض طبية، ولكننا دائماً يجب أن نكون في جانب اليقظة والتحوط، وأن نحمي أنفسنا بالحفاظ على صلواتنا وتلاوة قرآننا وكذلك الأذكار والتعوذ من الحسد والعين والسحر، فهذا كله إن شاء الله كاف، وهو بالطبع مطلوب وضروري، حتى إذا رأى الإنسان أنه لم يصب بعين أو سحر أو خلافه، ولكن لا بد للمؤمن أن يحافظ على الأقل على الحد الأدنى من أذكاره وتلاوته للقرآن الكريم.

وقد ذكرتَ أن الطبيب لم يسألك عن الحالة، وهذا بالطبع أمر شائع وهو أمر ربما يؤثر على الكثيرين سلباً، والأطباء بعضهم يكون مشغولاً وبعضهم يستطيع أن يشخص الحالة من الوهلة الأولى، خاصة إذا كانت الحالة ظاهرة والأعراض متميزة، ولذا قد لا يسترسل الطبيب في الأسئلة، ولكن أعتقد أن ذلك ليس بالمنهج الصحيح حيث أن الطبيب الحاذق والجيد هو الذي يدخل دائماً في حوار ونقاش وأسئلة تفصيلية مع مريضه؛ لأن هذا في حد ذاته هو واحد من الأركان الرئيسية للعلاج الفعال والمؤثر، كما أنها تقوي الرابطة بين المريض وطبيبه، وإني أعتذر مما بدر من الطبيب وربما يكون كما ذكرت لك أن حالتك كانت سهلة التشخيص بالنسبة له.

وبالنسبة لوصفه للزيروكسات بهذه الطريقة فهذا هو الأمر الصحيح، فمن الأفضل أن تكون بداية العلاج بجرعة صغيرة ومتدرجة، وذلك حتى لا تظهر الآثار الجانبية التي تسببها هذه الأدوية، خاصة أن الزيروكسات ربما تسبب شيئاً من الشعور بعسر الهضم في الأيام الأولى إذا كانت الجرعة كبيرة، ومن الأفضل أن يتناوله الإنسان بعد الأكل وهذا هو الذي طلبه منك الطبيب.

وأما بالنسبة للمراجعة فهي بالطبع للمتابعة وهي مطلوبة، وتتفاوت حسب وقت الطبيب ووضعه، وأرى أن المراجعة بعد أسبوعين قد تكون هي الأفضل، ولكن لا بأس أن تكون المراجعة أسبوعياً أيضاً.

والإندرال من الأفضل أن يؤخذ بصورة يومية في بداية العلاج، والإندرال لابد أن تجزئ جرعته؛ لأنه لا يظل لفترة طويلة في الدم، وهناك نوع من الإندرال يعرف بإندرال (LA 80) وهو الذي يظل في الدم لفترة طويلة، وأما الإندرال الآخر فلا يظل لفترة طويلاً.

والشيء الذي أراه هو أن تأخذ هذه الجرعة (40 مليجراماً) مجزأة، مثلاً: 10 مليجرامات في الصباح، 20 مليجراماً في وقت الظهر، و10 مليجرامات ليلاً، وهكذا، وبعد فترة أسبوع أو أسبوعين يمكنك أن تخفض الجرعة ثم تتناولها بعد ذلك عند اللزوم.

وأرى أن تستغني عن الإندرال بعد أسبوعين من بداية العلاج حتى يكون هناك نوع من التحسن الإيجابي، ويتم التحكم في مادة الأدرانيل، خاصة أن الإندرال يعتبر مهماً جدّاً لإيقاف الخفقان وضربات القلب المتزايدة وكذلك الرعشة والتعرق، وبعد أن تنتهي هذه الأعراض يمكنك بعد ذلك أن تتوقف عن الإندرال.

والإندرال لا يسبب أعراضاً انسحابية، ولكن من الأفضل أن يوقف بالتدرج؛ لأن هناك دراسات تشير إلى أنه إذا كان هذا الدواء يؤخذ بجرعات عالية (100 مليجرام) في اليوم إذا لم يسحب بصورة متدرجة فربما يؤثر على القلب، ولكن ذلك لا ينطبق على حالتك أبداً.

والدواء يمكن أن يؤخذ ليلاً أو نهاراً، ومن الناس من يسبب لهم الزيروكسات نوعاً من الاسترخاء أو النعاس البسيط في بداية العلاج، ولذا ربما نفضل تناوله ليلاً، كما أن هناك دراسات تشير إلى أن الأعراض الجانبية مثل الشعور بالحموضة الزائدة في المعدة لا تحدث كثيراً إذا تناول الدواء ليلاً، إذن فوقت الجرعة هو أمر يتعلق فقط بالآثار الجانبية للدواء هل هو استرخائي أم غير استرخائي، وهكذا.

والطبيب حين نصحك بأن المواقف التي تخيفك من الضروري أن تتعرض لها، هذا بالطبع نوع من العلاج السلوكي المهم جدّاً، والمواجهة تعتبر أساسية وضرورية، وعليك أن تجرب الطريقة، وبالطبع سوف تشعر وتحس بالخوف في المرة الأولى والثانية والثالثة، ولكن بعدها سوف يختفي ويتلاشى هذا الخوف بالتدرج.

فعليك بالمواجهة المتدرجة وهي ضرورية، وهي العلاج السلوكي في حد ذاته، ولكن التوقف عنها بعد مرة أو مرتين هذا لن يساعد كثيراً، والالتزام بالدواء مع العلاج السلوكي بالطبع هي أنجع وأفضل وسائل العلاج.

فعلى الإنسان أن يأخذ بالطريقين مع بعضهما البعض، وهذا بالتأكيد يعتبر هو العلاج الأفضل؛ لأن العلاج السلوكي يدعم العلاج الدوائي، والعلاج الدوائي يدعم العلاج السلوكي.

والعلاج السلوكي الصحيح هو القائم على المواجهة وعلى عدم التجنب، ولابد أن تحقر الفكرة، ومن فوائده أنه يضمن عدم الانتكاسة، والدواء يعاب عليه أن الإنسان قد يتحسن بصورة ممتازة ولكن إذا توقف عن العلاج فهذا ربما يؤدي إلى الانتكاسة، فالعلاج السلوكي إذا اتخذه الإنسان منهجاً في حياته - وهو بسيط جدّاً - يضمن -إن شاء الله- عدم وجود أي آثار للمرض وسوف يختفي ولن تحدث انتكاسات أخرى.

ولا شك ولابد أن الالتزام بطبيب واحد هو الأفضل، فالطبيب الذي ترى أنك مرتاح ومطمئن له، والطبيب الذي ترى أنه موثوق وصاحب علم ودين وخلق، فهذا هو الطبيب الذي من الأفضل أن تستمر معه، وهم -الحمد لله- في منطقتنا كُثر.

وبالنسبة لمدة العلاج فهي تتفاوت من شخص لآخر، وأقل مدة للعلاج هي ستة أشهر، وهنالك شبه إجماع في المحافل العلمية النفسية المعتبرة وهو أن الاستمرار على الدواء لفترة طويلة يجعل الموصلات العصبية في وضع مريح ويمنع حدوث الانتكاسات المرضية، ولا تخف من مدة العلاج مهما طالت؛ لأن هذه الأدوية الحديثة سليمة جدّاً، كما أن ظروف الإنسان ومدى استعداده للمرض تعتبر أيضاً من العوامل الضرورية التي تحدد مدة العلاج.

وبالنسبة لسؤالك الأخير: هل هذه الأعراض لها علاقة بمفعول الدواء أم هي من أعراضه الجانبية؟ فالزيروكسات لا يسبب أعراضاً شديدة، -وكما ذكرت لك- أن بعض الناس يعاني من سوء الهضم قليلاً وربما يسبب صداعاً بسيطاً، أو الرعشة فهي ليست من الأعراض المعهودة إلا إذا بدأ الإنسان بجرعة كبيرة، والرعشة تعتبر من الأعراض التي تحدث إذا أوقف الإنسان هذا الدواء بصورة مفاجئة وبسرعة.

وعليه أرجو أن تصبر على هذه الأعراض، وسوف تختفي -بإذن الله تعالى-، وربما يكون فيها شيء من أثر الدواء والحركة الكيميائية بالرغم من أنها ليست من الأعراض المعهودة -كما ذكرت لك-، وفي ذات الوقت هي بالطبع من صميم الأعراض المرضية التي لديك في الأصل.

والذي أراه أن تستمر وتصبر على العلاج، وكثير من الناس تحدث لهم أعراض جانبية حتى وإن لم يجربها الآخرون مع بداية الأدوية، وكما ذكرت لك هي ربما تكون ناتجة عن الحركة والنشاط والمتغيرات الكيميائية البيولوجية التي تحدث في الموصلات العصبية.

وكما نصحتك سابقاً فمن الأفضل أن تبدأ في تناول الإندرال، وهو دواء ممتاز جدّاً لعلاج الخفقان والرعشة والتعرق ويؤدي إلى ارتياح جسدي عام، خاصة فيما يخص الأعراض المتعلقة بالقلق والعُصاب والرهاب والخوف.

وأخيراً أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا زبيد28 سنة

    سلآم عليكم انا مرضة بلا كتاب زورت طبيب نفسي وأنا استعمل دواء فليوكسات لك يا مخاوف ان أدمن به ولن أجد بما اشتري دواء وحلت المدي ضعيفة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً