الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل في مسؤولية الطبيب عما ينشأ من ضرر بجسم المريض

السؤال

أعمل طبيبة بإحدى المستشفيات الحكومية (أطفال مبتسرين ومنذ فترة قريبة توفي أحد الأطفال بالحضانة الموجودة داخل قسم الأطفال بالمستشفى، وأشك أنه قد تم نقل دم بفصيلة مختلفة لذلك الطفل بخطأ مني، مع العلم بأنه يوجد بالقسم من يشرف على عملي وهم أكبر مني سنا وعلماً وخبرة ولو كان هناك إشراف طبي جيد لتم تدارك الأمر عن طريق التدخل بالعلاج الطبي المناسب، ولأنه لا يجوز قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق فإنني أرغب فى معرفة حكم الدين:
أولاً: في حالة ما إذا كان الخطأ خطئي (لأنني كما قلت من قبل أشك في ذلك) لأنه ربما كانت هناك أسباب أخرى للوفاة.
ثانيا: إذا كان هناك خطأ مشترك أكثره مني وبعضه من المشرفين؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالطبيب مسؤول عما يقع فيه من خطأ تجاه من يطببه، وهذه المسؤولية تعظم أو تقل بحسب نوع الخطأ ودرجته، وقد دلت الشريعة على اعتبار المسؤولية الطبية، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تطبب ولم يُعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن. رواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه، ووافقه الذهبي.

وإذا كان الجهل هو الموجب للمسؤولية كما يدل عليه ظاهر الحديث، فإنه يستوي فيه الجاهل بالكلية وهو الشخص الذي لم يتعلم الطب، والجاهل بالجزئية وهو الشخص الذي علم الطب وبرع في فرع من فروعه، ولكن يجهل الفرع الذي عالج فيه فمثل هذا يضمن، والطبيب الجاهل يأثم بجنايته ويضمن ما يترتب عليها، أما الخطأ فهو ما ليس للإنسان فيه قصد، ومثاله: أن تزل يد الطبيب وينشأ عن ذلك ضرر بجسم المريض فهذا النوع لا يترتب عليه تأثيم فاعله، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:5}، ومن ثم لا تتعلق به مسؤولية الآخرة، لكن يلزم صاحبه بضمان ما نشأ عن خطئه. وأما إذا أتقن الطبيب عمله، وأعطى الصناعة حقها ثم حصل ضرر لا يد له فيه فإنه لا يضمن، وهذه مرتبة فوق التي قبلها، والفرق بينهما أنه في السابقة تسبب في الخطأ عن غير عمد، وهو طبيب ماهر، أما هذه فالضرر جاء بلا سبب منه أثناء التطبب.

قال الإمام ابن القيم: وإن كان الخاتن عارفا بالصناعة، وختن المولود في الزمن الذي يختن فيه مثله، وأعطى الصناعة حقها، لم يضمن سراية الجرح اتفاقاً. انظر تحفة المودود لابن القيم.

وأنت قد ذكرت أنك تشكين في أنه قد تم نقل دم بفصيلة مختلفة لذلك الطفل بخطأ منك، وأنت بهذا الشك ضامنة لما حصل وآثمة فيه، لأن شكك لا يخلو من أن يكون عن جهل بالتطبيب وموضوع فصائل الدم وغيرها... أو يكون لعدم إعطاء الأمر عناية جيدة.

وعليه، تكون كفارة ما فعلته هي صيام شهرين متتابعين، وعلى عاقلتك دية هذا الطفل، وأما الأطباء الذين قلت إنهم يشرفون على عملك وأنهم أكبر منك سناً وعلماً وخبرة، فإنهم آثمون أيضاً بما حصل منهم من تقصير في مسؤوليتهم، ولكنهم ليسوا ضامنين لما حصل، لأنهم ليسوا مباشرين، والقاعدة أنه إذا اشترك المتسبب والمباشر قدم المباشر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني