الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل للزوجة المطالبة بما أنفقته على البيت برضاها

السؤال

عملت زوجتي لعدة سنوات، وعندما طلبت منها الجلوس في البيت وترك العمل لم تطعني ورفضت ذلك، وعندما أصررت على ترك العمل بدأت تطلب مني إعطاءها جميع رواتبها التي اكتسبتها خلال السنوات السابقة والتي أنفقتها على نفسها وعلى بيتها بدعوى أنها غير مسؤولة عن الإنفاق على الأسرة، علما بأنها لم تجبر على المشاركة في مصاريف البيت مطلقا وكان ذلك بمحض إرادتها، وأيضا أبقت بطاقة الصراف الآلي التي تخصها معي خلال تلك السنوات برغبتها ومن خلالها كنت أسحب وأدبر الأمور المالية للأسرة مع راتبي، وعندما سئلت عن سبب إبقائها بطاقة الصراف الآلي معي، أجابت: أنه زوجي وكان يدبر شؤون حياتنا، وعندما بدأت العمل ترتب على عملها مصاريف كثيرة منها إحضار خادمة فقالت إنها تتحمل من راتبها كل النفقات المترتبة على خروجها للعمل، وعندما اشترت بيتا قبل 3 سنوات قالت لي عدة مرات أريد مبلغ 2500 ريال من راتبي كل شهر لسداد قسط البيت والباقي يدخل في مصاريف البيت، وبناء على المعلومات السابقة هل تعتبر مشاركة زوجتي في مصاريف البيت هبة أم لا، وهل يحق لها المطالبة بها علما بأنه مبلغ كبير لا أطيق سداده؟

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

الأصل أن راتب الزوجة من حقها وما أنفقته على البيت برضاها ليس لها الرجوع بمطالبة الزوج به إلا أن تشترط ذلك عليه أو يكون عملها بسبب إعساره بالنفقة الواجبة عليه، والمشاكل الزوجية لا تحل إلا بالتفاهم والتسامح وتقدير كل طرف من الزوجين للطرف الآخر.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى أن عمل الزوجة إذا كان مشروطاً عليك عند عقد الزواج ولم يكن فيه محظور شرعي ولا يترتب عليه تضييع لحقك أو لحق أبنائك، فإنه يجب عليك السماح لها بالعمل وفاء بالشرط، فالمؤمنون على شروطهم، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحلت به الفروج، كما جاء في الحديث الصحيح وبهذا تنتهي المشكلة، وكذلك يجب عليك السماح بخروجها إذا كنت معسراً لا تستطيع الإنفاق عليها بتوفير طعامها (يوماً بيوم) ونحوه مما يجب عليك من الكسوة وغيرها.

وأما إن لم يكن بينكما شرط أو اتفاق سابق بهذا الشأن ولم يكن إعسار بالنفقة الواجبة أو كان عملها يترتب عليه محظور شرعي، فإن من حقك أن تمنعها من الخروج من البيت وعليها أن لا تخرج إلا بإذنك، وبالنسبة لما أنفقته فلا وجه لمطالبتها به لعدة وجوه:

الأول: أنه على سبيل الرضا لا الإكراه، وحكمه حكم الهبة فإنها أبقت معك بطاقة الصرف الخاصة بها بكامل رغبتها لتسحب بها الأموال وتنفقها على البيت وذلك في معنى القبض، والهبة تملك بالقبض.. وقد عرفها الفقهاء بإنها ما يدفعه الواهب إلى الموهوب له في حياته ويصير للموهوب له كامل التصرف فيه بشرط أن يحوزه الموهوب له (يقبضه) قبل موت الواهب أو إفلاسه.. وقد استدل أهل العلم على أن الواهب لا يجوز له الرجوع في الهبة بعد أن يقبضها الموهوب له بإذنه بما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العائد في هبته كالعائد في قيئه.

الثاني: أن العرف إذا جرى بمساهمة الزوجة العاملة بشيء من مالها في نفقة البيت ونحوها، فإنها إذا أنفقت شيئاً من مالها جرياً وراء هذا العرف فإنه لا يكون لها استرجاعه لأنه هبة منها.

الثالث: أن جزءاً من هذا المنفق يكون في كماليات ومنها ما هو خاص بالزوجة.

الرابع: أنه ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن وقت عمل الزوجة لا يخلو من تنازل الزوج عن بعض حقوقه الزوجية وراحته وتمام تهيئة منزله وغير ذلك، فإذا لم تتم مشاركة الزوجة بشيء من راتبها في حاجة البيت فإن الأمر لا يخلو من غبن وظلم للزوج..

وعلى ما سبق فلا يظهر وجه لمطالبة زوجتك بهذا المال الذي أنفقته على البيت، وعلى أية حال فحل مثل هذه القضايا يحسن أن يكون بالتفاهم والتسامح والتنازل عن شيء من الحقوق، وننصحك باستعمال الحكمة في اتخاذ الإجراء اللازم، ومن ذلك إظهارك حبك لها والحرص على مصلحتها ومصلحة الأسرة بمنعها من الخروج مع تحسن الظروف وعدم الحاجة الملحة لخروجها، كما أن من المناسب تقدير جدها معك فيما مضى وترضيتها بشيء من المال والهدايا حسب استطاعتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني