الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صل رحمك بدون إعلام أمك

السؤال

سؤالي يخص علاقتي بأمي حيث إنها وبعد أن وقع خلاف بينها وبين كلً من عمي وعمتي قررت أن تقطعهما قطيعة تامة وبالفعل فعندما أقمنا حفل زفاف أختي رفضت دعوتهما إليه والمشكلة أنها تأمرني بأن أقطعهما وتهددني إن وصلتهما بأن تسخط علي، وأنا مقبل على الزواج فهل أدعهما وأخالف أمي مع العلم بأنها مريضة بالأعصاب وقد تصاب بصدمة جراء ذلك أم أكتفي بالسؤال عنهم بالهاتف ويجزيني هذا عن زيارتهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبارك الله فيك لحرصك على بر أمك وصلة رحمك، فهذه الأمور من أوجب الواجبات ومن أعظم القربات إلى الله، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. رواه البخاري ومسلم...

وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور. فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت. رواه البخاري ومسلم.

وقد نهى الله عن قطع الرحم وأمر بصلتها، فعن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قاطع. رواه البخاري ومسلم...

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته. رواه البخاري ومسلم...

وقد أمرنا الله بصلة الرحم حتى لمن يقطعنا، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.

فما أرادته منك أمك من قطيعة الرحم خطأ لا يجوز لك أن تطيعها فيه، وإنما عليك أن تترفق بنصحها في ذلك بحكمة وفطنة وتحاول جاهداً أن تزيل أسباب الخلاف ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ويمكنك الاستعانة ببعض الأقارب ممن له تأثير عليها ليحاول الإصلاح بين الجميع، فإن تعذر ذلك وأصرت أمك على القطيعة، فلا طاعة لها في ذلك لأن الطاعة إنما تكون في المعروف، فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف. رواه البخاري ومسلم.

لكن ذلك لا يعني أنه يجوز لك أن تُغضب أمك أو تقصر في برها، وإنما تجمع بين الواجبين، مع ملاحظة أن بر الأم أعظم، فعليك أن تصل رحمك دون أن تخبر أمك، وبالنسبة لدعوتهم عند زواجك فإن أمكنك إقناع أمك بذلك برفق وباستعمال الحيل المشروعة بعد التوكل على الله ودعائه بصدق وإلحاح، فذلك هو الأفضل، أما إن تعذر ذلك ورفضت أمك دعوتهم وكان في ذلك إغضاباً شديداً لها، فلا تدعهم لأن دعوتهم ليست واجبة وربما أدت إلى إلحاق أذى بأمك كما ذكرت، ولكن داوم على صلتهم وبرهم دون علمها، ونسأل الله لنا ولك التوفيق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني