الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اصبري واحتسبي ولا تعجلي في الدعاء ولا تقنطي من رحمة الله

السؤال

لقد كرهت حياتي، وسئمت الدنيا، مع أني كان الكل يشهد لي بالالتزام من عهد قريب، ولكن سرعان ما تعرضت لصدمات واحدة تلو الأخرى حتى أني لا أكاد أفيق من الأولى حتى تأتيني الثانية فالثالثة فالرابعة، فصرت أصلي الفروض فقط دون خشوع دون طمأنينة دون تحري الوقت السليم، وتأتيني الصدمة الجديدة، وأرى من حولي مشاكلهم تحل واحدة تلو الاخرى، وهم كانوا مثلي، فيوسوس لي الشيطان، هم عاصون وأنا أعصي وأتوب، هم أخطأوا وأنا أخطئ وأستغفر، فلماذا تحل مشاكلهم وتزداد مشاكلي أنا؟ بقي لي خمس سنوات أقول الفرج قريب ولم يأت الفرج! بقى لي خمس سنوات أقول الصبح آت ولم يأت بعد؟ بقى لي سنوات أقول النصر مع الصبر ولم أنصر بعد.. حتى يئست وتركت كل شيء، وتملك اليأس مني، وصار أملي الوحيد الموت، أعلم أنه ليس بالضرورة أن يكون بالموت راحة، فحسب عملي وآخرتي وسيئاتي وحسناتي، ولكن سئمت الكروب، سئمت العقاب، أعود وأقول ما أنا فيه عقاب وليس ابتلاء، لأني فترت عن الطاعات ولم أعد أتحرى العبادات كما كنت، ولكن من حولي مثلي كما يظهر لي فيحل علي العقاب وحدي؟ أعود وأقول حرام ان أتعدى حدودي وأتحدث في تقسيم الأرزاق؟ وعدل المولى جل وعلا، فهو خبير بعباده ويعلم الخير لكل منا، وقد أرى الخير لغيري وهو شر له، ولكني ما أطلب من الله شيئا عصيبا، وهو على كل شيء قدير، وهو الغني القدير، ويقول للأمر كن فيكون، فكم دعوته، وكم رجوته، طيلة خمس سنوات وأنا بعذابي، صدمة تلو الأخرى، تركت العبادات تركت الناس، تعبت، أعلم جيدا أني على خطأ، ولكني تعبت، أطلب منه العفة بزوج تقي نقي، صالح كريم، فيأتيني الخاطب تلو الآخر ليجرحني جرحا جديدا، أخواتي وقريباتي وصديقاتي يخالطون الرجال ويفعلون المعاصي أعلم قد يكونون تابوا وأسأل الله ذلك، ولكن أنا كنت في طاعة وأتقي الله، ولم أجد سوى الجراح.. تركت العبادات ليس اعتراضا على قضائه معاذ الله، ولكن يأسا من كل شيء.. . ولا إله إلا الله... أسألكم الدعاء....

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أيتها الأخت السائلة أن الابتلاء للمؤمن هو علامة على محبة الله له, وتكفير لسيئات العبد حتى يوافي ربه بلا ذنب, كما أن إغداق النعم على العاصي قد يكون علامة على الاستدراج حتى يوافي ربه بكل ذنوبه فيأخذه بها, فقد روى الترمذي في سننه عن سعد رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ...

وعند ابن ماجة مرفوعا: عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ...

وقد قال الله تعالى عن الفجار: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ. {المؤمنون: 55, 56}.

فاتقي الله تعالى واصبري ولا تضيعي أجرك فتندمي , وانظري إلى من هم أشد بلاء منك لتعرفي فضل الله عليك، ولا تيأسي من الفرج، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ { يوسف :87 }.

وحالك هذا أيتها السائلة يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده، وقرب غيره، فقال أبو رزين: أو يضحك الرب عز وجل ؟ قال: نعم . فقال: لن نعدم من رب يضحك خيرا. رواه أحمد و الطيالسي وغيرهم.

و المعنى أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير يائسا من الخير بأدنى شر وقع عليه مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير ومن مرض إلى عافية ومن بلاء و محنة إلى سرور و فرحة, فاحذري كل الحذر من التسخط على أقدار الله تعالى واشكريه على نعمه عليك التي لو أردت أن تعديها لما استطعت، ولا تكوني كنودا تحصين المصائب وتنسين النعم، وعودي إلى ما كنت عليه من المحافظة على أداء الصلاة في وقتها مع الخشوع وحضور القلب, فالصلاة عمود الدين ولا تكوني طعما سائغا للشيطان, وانظري الفتوى رقم: 93791، والفتوى رقم: 101369 , وأخيرا نسأل الله أن يفرج كربك ويزيل غمك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني