الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب محبة الله وحكم الشعور ببغضه تعالى

السؤال

ماذا يفعل المؤمن إذا كان يشعر أحيانًا بأنه لا يحب الله؛ لأنه تمرّ به ظروف، وهموم كثيرة، يشعر أن الله لا يعينه فيها، وقد يصل الأمر إلى حد الكراهية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان هذا الشعور الذي تتحدث عنه مجرد خاطر سرعان ما يذهب، أو وسوسة وحديث نفس، ثم تجاهدها، ولا تركن إليها، فلا يضرك ذلك -إن شاء الله-؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم. متفق عليه.

وإذا كان العبد يجاهد نفسه، فهو على خير.

وأما إذا وصل الأمر إلى درجة الركون، وطمأنينة النفس ببغض الله عز وجل، وكراهيته، فهذا أعظم الخطر، فإن أثمن كنز يحصله عبد: أن تستقر محبة الله عز وجل في قلبه، وأعظم خسارة تلحقُ بالعبد: أن يُحرم محبة الله عز وجل التي هي شرف الدنيا والآخرة، قال ابن القيم -رحمه الله- في شأن منزلة المحبة: وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروّح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها، فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده، فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه، حلّت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها، فعيشه كله هموم، وآلام، وهي روح الإيمان، والأعمال، والمقامات، والأحوال، التي متى خلت منها، فهي كالجسد الذي لا روح فيه. انتهى إلى آخر كلامه النفيس -رحمه الله-.

فمن كان يكره الله عز وجل ويبغضه، فهو خارجٌ من جملة المسلمين -عياذًا بالله من الخذلان-، وقد عدّ العلماء بغض الله، أو رسوله، أو شيءٍ مما جاء به، من نواقض الإيمان، وكذا جعلوا من شروط لا إله إلا الله: الحب المنافي للبغض، وانظر الفتوى: 64695.

وإذا كان العبدُ تصيبه البلايا والمصائب، فليعلم أنه هو المتسبب فيها بمعصيته، ومخالفته أمر ربه، وأن الله عز وجل حكيمٌ عليم، وأنه تعالى لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون.

فالواجبُ على هذا العبد: أن يرجع إلى ربه عز وجل تائبًا، وأن يتنصل من ذنبه وجنايته، ويلقِي باللوم على نفسه، فإنها المتسببة فيما أصابه من شر، قال تعالى فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا {النساء:99}، وقال عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41}، وقال تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}، وعن عليٍ -رضي الله عنه- أنه قال: ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة.

وأما أن يلقي العبد باللوم على ربه، متهمًا له بأنه ظلمه، أو بخسه حقه، ويؤدي به ذلك إلى بغضه تبارك وتعالى، فهذا من أعظم الخذلان، وهذه هي المصيبة التي لا تُجبر، وهي أعظم من كل ما يصيب العبد من مصائب.

ونحنُ نسوق إليك -أيها الأخ الكريم، ولإخواننا القراء- الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل باختصار، كما ذكرها الإمام ابن القيم في مدارج السالكين -عسى الله أن ينفع بها-، فمنها:

1- قراءة االقرآن بالتدبر، والتفهم لمعانيه، وما أريد به.

2- التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.

3- دوام ذكره على كل حال باللسان، والقلب، والعمل، والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.

4- إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى، والتسنم إلى محابه، وإن صعب المرتقى.

5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها، ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها.

6- مشاهدة بره، وإحسانه، وآلائه، ونعمه الباطنة والظاهرة، فإنها داعية إلى محبته.

7- وهو من أعجبها، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.

8- الخلوة به وقت النزول الإلهي ـ في ثلث اليل الأخيرـ لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار، والتوبة.

9- مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم

10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني