الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحل نفي نسب الولد لكونه لا يشبه إخوته

السؤال

لي 3أولاد أشك في نسب الأكبر، وأريد طلاق الزوجة، ونفى نسب الولد الأكبر بعد تربية الصغير وتخرجه من الجامعة. فهل لو مت قبل ذلك أكون ديوثا وأدخل النار أم أسرع بالطلاق ونفى نسب الولد الآن، مع العلم أن الولد ليس شبهي ومختلف عن الولدين الآخرين، وأشك أن الولد ابن أخي حيث إنى أسكن في بيت العائلة. أفتوني؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فعليك أن تتقي الله سبحانه وتمسك زوجتك، وتصرف عنك هذه الوساوس الشيطانية التي يلقيها الشيطان في قلبك ليفسد عليك بيتك وأسرتك وعلاقتك بأخيك, فإن مثل هذه الأمور العظيمة من قذف الزوجة بالزنا، ونفي نسب الولد لا يعتمد فيها على مثل هذه الشكوك التي تراودك بل لا بد فيها من اليقين أو غلبة الظن التي تقترب من درجة القطع.

قال الشربيني في مغني المحتاج: وله -أي الزوج- قذف زوجته عَلِمَ -أي تحقق- زناها بأن رآها تزني، أو ظنه -أي زناها- ظناً مؤكداً أورثه العلم. انتهى.

هذا بالإضافة إلى أنه لا يجوز لك نفي نسب ولدك هذا بعد أن سكت على انتسابه إليك طوال هذه الفترة، فإن من شروط نفي نسب الولد ألا يتأخر الرجل في ذلك على الراجح من أقوال أهل العلم.

قال البهوتي في كشف القناع: ومن شرطه أي نفي الولد أن لا يوجد منه إقرار ولا دليل على الإقرار، فإن أقرَّ به أو أخر نفيه مع إمكانه لحقه نسبه وامتنع نفيه. انتهى.

بل قد ذكر بعض الفقهاء أن نفي الولد ينبغي أن يكون بمجرد الحمل وأنه لو أخره إلى الولادة بغير عذر فإنه يلحقه نسبه ولا يجوز له نفيه.

قال القرافي في كتابه الفروق: قال الأمير: من رأى حمل زوجته فأخر اللعان بلا عذر، فليس له نفيه ولا يعذر بجهل، وليس من العذر تأخيره خيفة أن يكون انتفاخاً فينفش. انتهى.

ومنهم من رأى جواز التأخر اليسير. جاء في الموسوعة الفقهية ملخصا مذاهب الفقهاء في شرط التعجيل والفور في نفي الولد باللعان: إذا أتت امرأة بولد لزم زوجها نسبه بالفراش، فإذا أراد نفيه باللعان بعد ذلك فقد اشترط المالكية والشافعية في الجديد على الأظهر والحنابلة لصحة النفي أن يكون فور العلم بالولادة مع إمكانه، فلو أخره زمنا لغير عذر لم ينتف عنه بحال بعد ذلك. وذهب الحنفية والشافعية في أحد القولين في القديم إلى جواز تأخير النفي مدة قدرها أبوحنيفة بمدة التهنئة، وهي ثلاثة أيام، وهو قول الشافعية في القديم، وفي قول لأبي حنيفة أنها سبعة أيام، وقدرها الصاحبان بمدة النفاس. انتهى.

واحذر أيها السائل الوعيد الشديد الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الجنة، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين. رواه أبو داود والدارمي في سننه وصححه ابن حبان.

وفي عون المعبود شارحاً لهذا الحديث: جحد ولده: أي أنكره ونفاه، وهو ينظر إليه أي الرجل ينظر إلى الولد، وهو كناية عن العلم به بأنه ولده أو الولد ينظر إلى الرجل، ففيه إشعار إلى قلة شفقته ورحمته وقساوة قلبه وغلظته، احتجب الله عنه أي حجبه وأبعده من رحمته، وفضحه أي أخزاه على رؤوس الأولين والآخرين. انتهى.

واعلم أن مجرد عدم الشبه بينك وبين ولدك هذا أو بينه وبين إخوته ليس دليلا على ما تظن من أمر الفاحشة، ولا يجوز الاعتماد على هذا الأمر بمجرده.

ففي صحيح البخاري, عن أبي هريرة: أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها . قال: حمر. قال: هل فيها من أورق . قال: إن فيها لورقا. قال: فأنى ترى ذلك جاءها؟ قال: يا رسول الله عرق نزعها . قال: ولعل هذا عرق نزعه . ولم يرخص له في الانتفاء منه.

جاء في فتح الباري: وفيه أن الزوج لا يجوز له الانتفاء من ولده بمجرد الظن، وأن الولد يلحق به ولو خالف لونه لون أمه، وقال القرطبي تبعا لابن رشد لا خلاف في أنه لا يحل نفي الولد باختلاف الألوان المتقاربة كالأدمة والسمرة، ولا في البياض والسواد إذا كان قد أقر بالوطء ولم تمض مدة الاستبراء. إلى أن قال: وفيه تقديم حكم الفراش على ما يشعر به من مخالفة الشبه، وفيه الاحتياط للأنساب وإبقائها مع الإمكان، والزجر عن تحقيق ظن السوء. انتهى.

أما بخصوص سكنك في بيت العائلة فينظر فيه، فإن كان لك مكان مستقل تأمن فيه زوجتك على شؤونها وخصوصياتها بعيدا عن الرجال الأجانب، ولم يوجد اختلاط محرم، فهذا لا حرج فيه إذا رضيت به الزوجة.

أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك، وكان هناك اختلاط محرم بين زوجتك وأقاربك ممن ليسوا بمحارم لها فهذا حرام لا يجوز، وعليك أن تعمل على تعديل هذا الوضع وعزل زوجتك عن اختلاطها بالأجانب, خصوصا أقاربك وذلك لأن أقارب الزوج تتاح لهم من أسباب الريبة والفساد ما لا يتاح لغيرهم, فقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.

قال النووي: المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت . قال: وإنما المراد الأخ، وابن الأخ، والعم، وابن العم، وابن الأخت، ونحوهم مما يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة، وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني