الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج هيجان الشهوة بالإكثار من الصيام

السؤال

أشكو من الكبر والعجب والمشي بخيلاء إذا لبست الجديد من الثياب و الجميل منها. أشكو من النظر إلى النساء والاستمناء إذا أكلت جيدا، وإذا تقوى جسمي بالرياضة والأكل، حتى الصيام على السنة لم يعصمني من الحرام. صمت مرة يوم اثنين ثم ثلاثة أيام البيض يعني إلى الخميس ووقعت في الاستمناء بالسبت. فكرت في الزهد في هذه الدنيا لأنني لم أحقق وسطية الإسلام مع قلة العلم وكثرة الفتن في بلادنا تونس. أخاف أن أضيع الدنيا والآخرة لقلة علمي بالزهد، وأخاف أن أخسر عملي لأنه شاق جدا، ولأني نويت صيام يوم بعد يوم. هذه بعض عيوبي فانصحوني أثا بكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أمر الله سبحانه عباده بترك ظاهر الإثم وباطنه فقال جل شأنه: وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ {الأنعام : 120}

جاء في تفسير السعدي: فنهى الله عباده، عن اقتراف الإثم الظاهر والباطن، أي: السر والعلانية، المتعلقة بالبدن والجوارح، والمتعلقة بالقلب، ولا يتم للعبد ترك المعاصي الظاهرة والباطنة إلا بعد معرفتها والبحث عنها، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن، والعلمُ بذلك واجبا متعينا على المكلف. وكثير من الناس تخفى عليه كثير من المعاصي، خصوصا معاصي القلب ، كالكبر والعجب والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم، وعدم البصيرة , ثم أخبر تعالى أن الذين يكسبون الإثم الظاهر والباطن، سيجزون على حسب كسبهم، وعلى قدر ذنوبهم، قلَّت أو كثرت، وهذا الجزاء يكون في الآخرة، وقد يكون في الدنيا، يعاقب العبد، فيخفف عنه بذلك من سيئاته. انتهى.

وأنت أيها السائل – هداك الله وغفر لك – قد جمعت بين ظاهر الإثم وباطنه، أما باطنه فالكبر والعجب والخيلاء، وهذه من أمراض القلوب ورعونات النفس الأمارة بالسوء، والواجب على الإنسان أن يجاهد نفسه ليتخلص من هذه الأمراض وأمثالها، وقد بينا خطر ذلك وطريقة علاجه في الفتاوى رقم: 19854، 58992 ،24081 ، 63817 ، 32856، 118700.

أما ظاهر الإثم فهو ما تذكر من النظر إلى النساء والاستمناء وقد بينا حرمة هذين الفعلين وقبحهما وكيفية التخلص منهما في الفتاوى رقم: 1087، 7170، 110188، 23935.

ولا شك أن أفضل علاج لخطر الشهوة هو الزواج، وقد أرشد النبي الشباب إليه كما في الحديث: يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج. متفق عليه.

فمن لم يقدر على النكاح فإن الصيام هو الوصفة النبوية لعلاج ما يتعلق بهيجان الشهوة وثورانها، قال – صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.

قال النووي: والمراد هنا أن الصوم يقطع الشهوة ويقطع شر المنى كما يفعله الوجاء. انتهى.

وجاء في فتح الباري: لأن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوته وتضعف بضعفه. انتهى

وراجع الفتوى رقم: 6995 فإن بها نصائح لمن غلبته شهوته.

واعلم أن الصوم المقصود في الحديث، إنما هو الصوم المتكرر الكثير، أما مجرد صوم يوم أو يومين لا يحصل به الغرض.

جاء في فتح الباري: واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة، وذلك مما يثير الشهوة، لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر، فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك. انتهى.

ولا يلزم أن تكثر من الصيام حتى تذهب قوتك خصوصا مع ما تذكر من مشقة العمل الذي تعمل به. ولمعرفة حقيقة الزهد نحيلك على الفتوى رقم: 59675.

أما بخصوص ما تشكو منه من الفتن في بلدك، فإنا ننصحك بمطالعة الفتوى رقم: 51487.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني