الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أوصت بثلث بيتها ثم أغمي عليها فبيع البيت لعلاجها فما حكم الوصية

السؤال

أوصت امرأة لابن أختها بثلث بيت تملكه، وحددت أن يكون الثلث الموصى به هو الذي من جهة الحمامات والمطبخ، وأن تكون هذه المرافق مشمولة في الوصية، ليكون ذلك أوفر لنصيب ابن الأخت، ثم مرضت تلك المرأة ودخلت في غيبوبة، فاحتيج في علاجها إلى بيع البيت، وبعد بيعه بأيام قليلة توفيت فهل بطلت الوصية بما ذكر؟ أم أنها ما زالت باقية؟ علما بأن المرأة لو لم تكن في تلك الغيبوبة لما قبلت بيع البيت إذا كان سيترتب عليه بطلان الوصية.
أرجو الجواب على المذاهب الأربعة مع نقل كلامهم في ذلك ـ إن أمكن.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالوصية المشار إليها وصية صحيحة في أصلها، لكونها وصية بالثلث ولغير وارث، ولا تبطل تلك الوصية بمجرد دخول المرأة في الغيبوبة، جاء في الموسوعة الفقهية: وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لاَ تَبْطُل الْوَصِيَّةُ، لأَِنَّ الإِْغْمَاءَ لاَ يُزِيل الْعَقْل. هـ.

وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الوصية لا تبطل بالجنون، فالإغماء من باب أولى، جاء في الموسوعة الفقهية: وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُل بِجُنُونِ الْمُوصِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. هـ.

والشخص المغمى عليه يعين القاضي من يتولى التصرف في ماله، ولا يحق لأحد أن يتولى ذلك بدون حكم القاضي، قال زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب عن المغمى عليه: ليس لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ في مَالِهِ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ. هـ.

بل إن الموصي نفسه إذا جن أو أغمي عليه تعين على القاضي أن ينيب عنه وصيا، قال الإمام النووي في روضة الطالبين وعمدة المفتين: إذا جن الموصي أو أغمي عليه أقام الحاكم غيره مقامه. هـ.

وإذا أقام الحاكم وليا عليه في ماله فباع الولي البيت في حياة المغمى عليه لمصلحته، فلا يخلو الأمر من حالين:

الأولى: أن يكون لدى المرأة غير البيت مما يمكن بيعه ويصرف في علاجها، فلا يصح البيع ـ حينئذ ـ لكون جزء منه تعلق به حق الوصية ولا تبطل الوصية.

الثاني: أن لا يكون للمرأة غير البيت، فالذي يظهر أن الوصية تبطل بذلك، كما لو باعه الوصي نفسه، لأن الولي يقوم مقام المحجور عليه وتصرفه نافذ، وقد نص الفقهاء على أنه يجوز لولي المحجور عليه أن يبيع عقار المحجور عليه للمصلحة ـ كالحاجة إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين ونحو ذلك مما لا بد منه ـ بشرط أن لا يكون عند المحجور عليه ما تندفع به الحاجة سوى المبيع، وجاء في الفقه الإسلامي: لوهبة الزحيلي في ذكر ما تبطل به الوصية: أو خرجت عن ملك الموصي في حياته بطلت الوصية، لفوات محلها. هـ. فإذا كان الذي تولى بيع بيت المرأة المشار إليها من عينه القاضي وباعه في حياة الموصي، فقد بطلت تلك الوصية ببيع البيت، وأما إن تولى بيعه من لا يحق له ذلك، فالبيع باطل والوصية لم تبطل، وينبغي رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية، لتنظر في القضية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني