الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هناك شبهة تمنعني من الالتزام بطريق الدين والهداية: وهي أنني أشك فى وجود حساب وجنة ونار يوم القيامة ولن تنتهي هذه الشبهة وهذا الوسواس حتى أعلم الدليل العلمي المادي على وجود حساب وثواب وعقاب يوم القيامة، فأرجوكم أيدوني بهذا الدليل أو دلوني على بعض الكتب التي تفيدني فى هذا الشأن.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله العظيم أن يشرح صدرك وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك، ثم نحب أن نلفت نظرك إلى أن الشك في اليوم الآخر إن اطمأن له القلب واستقر في الصدر، بحيث يركن إليه صاحبه ولا يتعاظم أن يتكلم به ـ والعياذ بالله ـ كفر، بخلاف ما إذا كان مجرد خاطر طرأ فاجتهد صاحبه في دفعه، فإنه لا يؤثر على صحة الإيمان وراجع في ذلك الفتويين رقم: 31123، ورقم: 80351.

وأما ما طلبته: فتفصيله لا يتناسب مع مقام الفتوى، وقد سبق لنا ذكر طرف منه في الفتويين رقم: 57828، ورقم: 16999.

ونجمل لك هنا المقال، ثم نحيلك على ما طلبت، قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ.

أشار في هذه الآية إلى ثلاثة براهين من براهين البعث بعد الموت وبينها مفصلة في آيات أخر:

الأول: خلق الناس ـ أولاً ـ المشار إليه بقوله: اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ.

لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على الإيجاد الثاني، وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وقوله: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ.

وكقوله: فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.

وقوله: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ.

وقوله: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ.

وكقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ.

وكقوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى.

ولذا، ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي الإيجاد الأول، كما في قوله: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.

وقوله: وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً، أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً.

ثم رتب على ذلك نتيجة الدليل بقوله: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ.

إلى غير ذلك من الآيات.

البرهان الثاني: خلق السماوات والأرض المشار إليه بقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ َبِنَاءً.

لأنهما من أعظم المخلوقات، ومن قدر على خلق الأعظم فهو على غيره قادر من باب أحرى، وأوضح الله تعالى هذا البرهان في آيات كثيرة كقوله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ.

وقوله: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ.

وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى. وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ.

وقوله: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا.

إلى غير ذلك من الآيات.

البرهان الثالث: إحياء الأرض بعد موتها، فإنه من أعظم الأدلة على البعث بعد الموت، كما أشار له هنا بقوله: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ.

وأوضحه في آيات كثيرة كقوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وقوله: وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ.

يعني: خروجكم من قبوركم أحياء بعد أن كنتم عظاما رميما.

وقوله: وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ.

وقوله تعالى: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

إلى غير ذلك من الآيات. انتهى.

وفصل الشيخ ذلك في مطلع سورة النحل ـ أيضا ـ فليراجعها السائل.

وإذا كان السائل يريد المزيد من البيان، فيمكنه الرجوع لكتاب ـ القيامة الكبرى ـ للدكتور عمر الأشقر، فقد ذكر فيه سبعة أدلة على البعث والنشور.

ويمكن ـ كذلك ـ قراءة بحث الدكتور: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي ـ مسلك القرآن الكريم في إثبات البعث.

وكذلك كتاب ـ الإسلام يتحدى ـ للأستاذ وحيد الدين خان، فإن الباب الخامس يتناول ـ دليل الآخرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني