السؤال
أحد المسيحيين قال لي: لماذا تقولون على كتابنا المقدس الإنجيل والتوراة إن به خرافات وإنه لا يقبله العقل أبداً بينما قرآنكم وسنتكم عند ما نتكلم نحن عنهما أو أي أحد يتكلم عنهما ويقول كيف حدث ذلك وهذا لا يقبله العقل، تقولون إن العقل لا يعارض النقل أبداً من القرآن ولا السنة ولا بد للعقل أن يعرف حدوده ولا يتخطاها وهذا كلام ربنا العليم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجب أن نفرق بين ما تعجز العقول عن إدراك حكمته والإحاطة بأسراره وبين ما تعلم العقول خطأه وفساده. وغاية ما جاء في نصوص الوحيين من أخبار وأحكام مما قد يشكل على العقل إنما هو مما قد يخفى على العقول بعض حكمها وأسرارها، وبعضها قد تبينت حكمته واسراره بمرور الزمان وتقدم العلم، كتحريم الخنزير، وغسل نجاسة الكلب سبع مرات وغير ذلك.
كما أن ما جاء فيها من أخبار وغيبيات لا يسوغ للعقل أن يقحم نفسه في البحث عن كنهها، لأن أمور الغيبيات والأخرويات تحكمها نواميس أخرى غير نواميس الحياة الدنيا، فليس من العقل إذاً أن نحكم عليها بنواميس حياتنا، وليس هذا حجراً على العقل، وإنما هو ترشيد له.
وعلى ذلك فليس في أحكام القرآن ولا في أخباره ما تحيله العقول وتحكم ببطلانه، وإنما قد تعجز عن الوقوف على حكمته أو إدراك كنه معرفته، أو قد يفهمه بعض الناس على غير وجهه بينما تكون النصوص بريئة من سقيم فهمه. وانظر الفتويين: 119411، 125630.
وأما كتب هؤلاء ففيها من الطوامّ والخرافات ما تقطع العقول المنصفة ببطلانه، من نسبة الفواحش والعظائم إلى أنبياء الله المصطفين الأخيار، كالزنا وشرب الخمر وغير ذلك، بل قد نسبوا إلى الله جل جلاله ما يستحيل في حقه، كالنوم والنسيان والندم ومصارعته ليعقوب وتغلب يعقوب عليه وغير ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ولم يكتف رجال الدين بما أدخلوه في كتبهم المقدسة، بل درسوا كل ما تناقلته الألسنة، واشتهر بين الناس، وذكره بعض شراح التوراة والإنجيل ومفسريهما من معلومات جغرافية وتاريخية وطبيعية، وصبغوها صبغة دينية، وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التي يجب الاعتقاد بها، ونبذ كل ما يعارضها وألفوا في ذلك كتباً وتآليف وسموا هذه الجغرافيا التي ما أنزل الله بها من سلطان الجغرافيا المسيحية. انتهى من ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
وكان هذا من أسباب ظهور العلمانية في الغرب وفصل الدين عن الحياة، فشتان بين كتاب تزداد وجوه إعجازه كلما مر الزمان، وبين كتب لا يزيدها ذلك إلا كشفاً لتحريفها ومناقضتها للحقائق، وانظر للمزيد من الفائدة الفتويين: 118616، 132141.
والله أعلم.