الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يلزم الابن سداد فاتورة علاج أبيه في بلاد الغرب

السؤال

أحسن الله إليكم أعتذر عن الإطالة ولكن ينبغي علي أن أوضح لفضيلتكم الأمر من جميع جوانبه فالأمر معقد وما ترونه فضيلتكم سأقوم بعمله إن شاء الله. أنا رجل مسلم يعيش في كندا أرسلت دعوة لوالدي العام قبل الماضي لزيارتي، أبي كان دائما بصحة وعافية وقدر الله أن يمرض مرضا شديدا مفاجئا دخل على إثره المشفى والعناية المركزة لمدة شهر كامل في كندا أثناء الزيارة وصلت تكاليف العلاج أكثر من مائة ألف دولار – أكثر من ثلاث آلاف دولار لليوم الواحد وهو رقم فيه غبن شديد - ثم خفضوا هذا المبلغ إلى تسعين ألف دولار مراعاة منهم للحالة. أبي لا يقدر على تحمل هذه التكاليف وأنا لا أطلب منه تحمل شيء منها برا به وكنت في جواب الدعوة قد قلت إنني أتحمل تكاليف الرعاية الصحية لوالدي إن احتاجا لهما ولكن لم يخطر لي ببال أن تكاليف العلاج في المشفى بهذا الارتفاع. وإنما قلت في جواب الدعوة أني أتحمل مصاريف الرعاية الصحية باعتبار أني أقدر على المصاريف العادية لدى العيادات الخاصة والأدوية فهي على قدر ارتفاعها إلا أنها ليست كالمشفى لا من قريب ولا من بعيد. وعندما دخل أبى المشفى سألوا من المسؤول عنه قلت أنا ولا أذكر أقصدوا هل أتحمل تكاليف علاجه أم هل أتحمل القرارت فيما يحتاج إليه مع العلم أنه لم يكن لي سبيل غير هذا لأن أبي كان في حالة صحية رثة جدا ومفاجئة للغاية.
بعد خروج أبي من المشفى أرسلوا لي وله – أي على عنوان أبي في مصر – فواتير العلاج وكل هذه الفواتير باسمه فقط وليس فيها ذكر لاسمي لأن أبي هو المريض وتعلمون حضراتكم أنهم في الغرب لا يحملون شخصا تكلفة شخص آخر.
وقد سألت صديقا لي يعمل طبيبا في أحد هذه المشافي بكندا هل يمكن تقدير تكاليف العلاج بصورة عادلة لأن التقدير الحالي فيه إجحاف كبير جدا علينا - وكما تعلمون حضراتكم أن التأمين الصحي في بلاد الغرب هو الذي يتحمل العلاج والأرقام في النهاية أرقام افتراضية – وقد أجابني صديقي الطبيب بأنه لا يمكنه تقدير رقم عادل حيث لا توجد أسس لهذا التقدير وإن كان أقر بأن التقدير الحالي ليس عادلا كما هو واضح.
كما أحب أن أوضح أن المشافي في كندا تابعة للحكومة فقط أي أن جل إن لم يكن كل هذه الأموال التي سأدفع ستذهب لحكومة المقاطعة التي أعيش فيها.
وقد كنت بدأت إجراءات الهجرة لأبي لكندا - أثناء فترة نقاهتة في كندا وذلك لخفض التكاليف حيث سيتم معاملته بصورة مختلفة - وهو ما قد حدث بالفعل وخفضت تكلفة العلاج إلى خمس وستين ألف دولار. وعلى الرغم من عظم هذا الرقم إلا أن وزارة الهجرة الكندية رفضت الملف لاحقا – بعد رجوع أبي لمصر - لأنهم قالوا إن أبي ينبغي عليه أن يقدم على الهجرة من خارج كندا لأنه بصحة جيدة. أبي الآن في مصر وصحته لا تحتمل سفرا ولا كثير تنقل.
عندما اتصلت بالمشفى تليفونيا لإعلامهم برفض ورق الهجرة نصحوني بألا أخاطبهم رسميا وإلا سيضطرون إلى رفع التكاليف مرة أخرى إلى الرقم الأول أي التسعين ألف دولار.
وأخيرا أحب أن أوضح أن قانون المقاطعة التي أعيش بها ينص على أن المريض إذا وصل المشفى يعالج دون أي اعتبارات أخرى فأبي قد تم علاجه وأنا الآن أدفع مبلغا يسيرا – مئتين وخمسين دولارا – للمشفى كل شهر.
وأسئلتي لفضيلتكم هي التالية:
- هل يلزمني شرعا طبقا لما شرحت أن أدفع هذا الدين عن أبي أم يسقط عن كلينا لأن الدين دينه وهو غير قادر على سداده بالكامل؟
- إذا كان أبي يقدر على سداد بعض هذا الدين مثلا عشرة آلاف دولار فهل أدفعها أنا عنه ولا يلزمنا بعدها شيء ؟
- هل لي أن أعتبر أن تكاليف علاج أبي هي جزء من الضرائب التي دفعتها لحكومة كندا والمقاطعة على مدار السنين التي قضيتها هنا فقد دفعت ضرائب أضعاف هذا الرقم على مر عشر سنين قضيتها في هذه البلاد – وأحب أن أوضح أني أتلقى أموالا من الحكومة لأولادي طبقا لقانون الضرائب ولكنها أرقام متواضعة مقارنة بما يأخذونه مني كل عام. وكنت – من باب الأمانة - قد اطلعت على عدة فتاوى لشيوخ بأمريكا وكندا أفتوا فيها بأن الضرائب في الغرب لا تعتبر من المكس المحرم لأنها ترجع إلى الشعب في صورة خدمات ولأن من قدم إلى بلاد الغرب قد ارتضى شروطه والمسلمون على عقودهم؟
- هل لي من مخرج شرعي من هذه الأزمة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كنت قد تعهدت للمستشفى بتحمل نفقات علاج أبيك كائنة ما كانت فهي دين في ذمتك وعليك سدادها ما لم يبرئوك منها، وأما إن كنت لم تتحمل نفقات علاجه المادية وإنما تتحمل المسؤولية من اتخاذ القرارات ونحوها فتكاليف العلاج عليه وتعتبر دينا في ذمته يلزمه سدادها، وإذا كان كذلك فلا يلزمك سدادها عنه إلا تطوعا منك وبرا به. قال في مواهب الجيل مبينا أن دين الأب لا يجب سداده على ابنه قال: ودين أبيه ليس عليه حالا ولا مؤجلا. انتهى.

فما استطعت سداده منها سددته عنه ولك في ذلك الأجر والمثوبة من الله عز وجل وما لم تستطع سداده يبقى دينا في ذمة أبيك حتى يتم سداده ويبرئوه منه.

وثمة أمر آخر وهو أن تكون قد ضمنت تكاليف علاج والدك للمستشفى فيلزمك السداد وليس لك الاحتيال على ذلك بمسألة الضرائب فإنها كما تقول أخذت منك بحق والجهة التي تطالبك برسوم المستشفى غير الجهة التي دفعت إليها الضرائب، واعلم أن من دخل ديار هؤلاء بتأشيرة دخول فقد أعطاهم العهد والميثاق على الوفاء لهم وعدم خيانتهم وخديعتهم فيجب عليه الالتزام، وراجع الفتوى رقم: 44854.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني