الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التراضي والصلح على بذل عوض مادي

السؤال

اعتدى 15 شخصا بالغون عاقلون علي في منزلي ليلاً بتاريخ(27/11/2008) وضربوني أمام زوجتي وأطفالي، وبعد أن أغمي علي جروني عبر ساحة منزلي أكثر من 30 مترا محاولين خطفي، وضربوا زوجتي وكشفوا غطاء رأسها وكسروا يدها كسراً بليغاً مع نزيف حاد اقتضى مكوثها في المستشفى 5 أيام، خرجت بعدها على مسؤوليتها الشخصية لتكون بين أطفالها، وبقيت عاجزة عن استعمال يدها لأكثر من 6 أشهر، وبقيت تحت العلاج الطبي سنة وأربعة أشهر، وضربوا زوجة أخي التي حاولت مساعدة زوجتي في تخليصي من أيديهم وكسروا يدها، وأصبت أنا من الاعتداء بكشوط ورضوض وارتجاج في المخ اقتضى مكوثي في المستشفى يوما وليلة، وخرجت على مسؤوليتي الشخصية لأرعى أطفالي لأن زوجتي بقيت في المستشفى، واعتقلتني الشرطة فور خروجي من المستشفى وسجنوني 3 أيام بناء على دعوى كاذبة تقدم فيها المعتدون بأنني ضربت قريبة لهم وعمها، واستعملوا واسطتهم لدى الشرطة لعمل ذلك، وبطلت هذه القضية بعد أن تبين للمحكمة لاحقاً أنني كنت في المستشفى في وقت اتهامهم لي، عُرف من المعتدين 10 أشخاص، وهرب المعتدون لحظة سماعهم لسيارات الشرطة والإسعاف، واستعمل المعتدون نفوذهم والرشوة للمسؤولين المتنفذين للتهرب من عقاب جريمتهم، ولم يقوموا بالإجراءات العشائرية المتعارف عليها في مثل هذه الحالات لإصلاح ما أفسدوه، ولما أخذت القضية مجراها في المحاكم وأيقنوا أنهم قد يسجنون بعثوا جاهة كريمة لأخذ عطوة إقرار واعتراف بالاعتداء لكي تقبل المحكمة كفالتهم، ودفعت الجاهة لنا 10 آلاف دينار أردني فراش عطوة، وقبلت المحكمة كفالتهم على أساس أنهم سائرون في إجراءات الصلح، وكان هذا قبل 11 شهرا على أن يجيؤوا للصلح بعد شهر، غير أنهم حينما تأجلت المحكمة أداروا ظهورهم لصك العطوة، ولم يحضروا لإتمام الصلح. والآن بعد أن أخذت القضية مجراها في المحكمة واقتنع القاضي بجريمة المعتدين، وعلم أنهم لم يتموا الصلح أمر بسجن المعتدين على ذمة القضية، وطلب من كبرائهم أن يتموا إجراءات الصلح لكي يقبل كفالتهم. وجاءت الجاهة السابقة ومعهم جاهة ثانية لكي نقبل منهم اعتذارهم على عدم إتمامهم للصلح وأن نقبل أن نستانف إجراءات الصلح العشائري لكي يتسنى لهم أن يخرجوا من سجنتهم المحكمة وهم 4 أشخاص من المعتدين من السجن الذي دخلوه قبل يوم واحد فقط. سؤالي هو كم من المال يحق لي أن اُخسر هؤلاء المعتدين على جريمتهم واعتداءهم علينا حسب القضاء الإسلامي، لكي أسقط عن المعتدين حقنا الشخصي في قضية الاعتداء المنظورة أمام المحكمة، علماً بأنه إذا أسقطنا حقنا الشخصي لن يتم إدانة المعتدين ولا سجنهم. وإن لم نفعل سيسجن كل واحد من العشرة المعتدين المعروفين مدة من سنة إلى 3 سنين، والجاهة ستحضر وتعطينا الحق على الآتي:-
1- الاعتداء على حرمة منزلي ليلاً.
2- ضربي أمام زوجتي وأطفالي، مما تسبب لي في ارتجاج في المخ وكشوط ورضوض ودخولي المستشفى ليوم وليلة وبقائي تحت العلاج الطبي لمدة شهرين.
3- الادعاء الكاذب علي بضرب قريبة لهم وعمها(شكوى كيدية) واستعمال نفوذهم لدى الشرطة مما تسبب في سجني 3 أيام قضيتها في مستشفى السجن بسبب سوء حالتي الصحية الناجمة من اعتدائهم علي.
4- ضرب زوجتي وكسر يدها كسراً بليغاً مع نزيف داخلي مما اقتضى مكوثها في المستشفى 5 أيام وعدم القدرة على استعمال يدها 6 أشهر، وبقائها تحت العلاج مدة سنة وأربعة أشهر، ولا زالت بحاجة إلى عملية جراحية في يدها.
5- ضرب زوجة أخي وكسر يدها، ومكثت يدها في الجبس أسبوعين.
6- المماطلة في إجراءات الصلح العشائري، وعدم سيرهم في طريق الصلح إلا بعد أن أرغموا على ذلك من قبل المحكمة، وهذا أدى إلى تكرار ذهابنا أنا وزوجتي وزوجة أخي للمحكمة لأكثر من 35 مرة لمتابعة إجراءات المحكمة، لكي يعاقب المعتدون على جريمتهم..
7- الوضع النفسي السيئ الذي لحق بأطفالي نتيجة إرهابهم ورؤيتهم لأبيهم وأمهم يضربون ويهانون من قبل المعتدين، مما أثر على نفسيتهم وسلوكهم وتحصيلهم الدراسي.
8- الوضع النفسي السيئ الذي لحق بنا كعائلة نتيجة إهمال المعتدين لإجراءات الصلح العشائري لأكثر من سنة ونصف، مما قلل من هيبتنا في المجتمع.
الرجاء أن تزودوني بالحق المالي المترتب على جريمة المعتدين، علماً بأن هذا ليس أول اعتداء لهم علينا وقد سامحناهم في اعتداءات سابقة، ولكنهم طغوا علينا بسبب كثرة مالهم ونفوذهم عند الأجهزة الأمنية.
ما يترتب عليهم حسب العرف العشائري هو أكثر من نصف مليون دينار أردني، بسبب هجستهم للبيت ليلاً وضربهم لي وللنساء وترويع الأطفال. ولكني أريد القضاء الشرعي وما يخرجه لي أرضى به بإذن الله تعالى. علماً بأن تنازلنا عن القضية بعد الصلح سينجيهم من حكم بالسجن من سنة إلى 3 سنوات.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالفيصل في هذه المسألة ونحوها من قضايا المنازعات ومسائل الخصومات هو المحاكم الشرعية إن وجدت أو ما يقوم مقامها من الهيئات والمجالس في البلاد التي لا توجد بها محاكم شرعية، لكن من حيث الإجمال نقول لك إن الشريعة جاءت بحفظ حقوق الناس وصيانتها من الاعتداء وإباحة أخذ التعويض عن الضرر ومعاقبة الجاني بمثل إساءته وتعزيره وتأديبه. ولكن يتعذر علينا هنا أن نقدر كم تستحق من التعويض فهذا مرده القاضي الشرعي المطلع على القضية بجميع تفاصيلها وراجع الفتاوى رقم: 9215، 100957، 35535، 100303. فقد بينا خلالها جواز التعويض عن الضرر ومشروعية المطالبة به وأن ثمن الدواء وتكاليف العلاج ونحوها تكون على الجاني. وأن الضرر المعنوي لا يجوز أخذ عوض مادي عنه، وغير ذلك من القضايا التي تضمنها السؤال.

لكن ننبه هنا على أنه لو تم التراضي والصلح على بذل عوض مادي سواء أكان نصف مليون أو غيره عما يوجب القصاص فلا حرج عليكم في قبوله والانتفاع به، ولو كان أكثر من الدية المقررة شرعا. قال السرخسي في المبسوط قال الكاساني في بدائع الصنائع: فَدَلَّتْ الْآيَةُ أي قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ {البقرة: 178} على جَوَازِ الصُّلْحِ من الْقِصَاصِ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. انتهى منه بتصرف يسير. جاء في المغني: ومتى صالح عما يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقل جاز. اهـ.

فتبين من خلال ذلك جواز الصلح عن القصاص ببذل أكثر منه أو أقل حسب الاتفاق. فلا جناح عليكم في قبول ما عرض عليكم للصلح وإبراء الجناة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني