الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماهية الطرقية... مخالفاتها وأباطيلها

السؤال

ما حقيقة الطرقية؟ وهل صحيح أن هناك طريقا واحدا يوصل إلى معرفة الله؟ وما الوسيلة إلى معرفته هل صحيح أنه لابد من شيخ حتى يقود الناس إلى الطريق المستقيم ومن اتبع هذا الشيخ ثم خالفه فهو إنسان ضال وما حقيقة مشروعية الأذكار الوردية التي يتبعها هؤلاء الشيوخ المسمون بالتابعين وهل هي من أوراد الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالطرقية لقب يطلق على أناس من الصوفية جعلوا لأنفسهم طرقاً، كالطريقة الجيلانية، والرفاعية، والشاذلية، وغيرها.
وهي في مجملها طرق بدعية غير مضبوطة بالشرع، بل اخترعها أصحابها من عند أنفسهم وحددوا لها أدعية - مشروعة وغير مشروعة - بأعداد معينة، وبهيئة معينة في أوقات معينة، ونحو ذلك مما يزعمون أنها تزكي أنفسهم، وتطهر قلوبهم، وتوصلهم إلى أعلى مقامات الولاية.
وفي هذه الطرق من المخالفات الشرعية والشطحات الشيطانية ما تنكره بدائه العقول الصحيحة، والفطر السليمة، ولذلك اشترط كثير من أصحاب الطرق لمعرفة تلك الطرق وفهمها - كما يريدون - تلقيها عن مشايخ الطرق، وأوجبوا على المتلقي إلغاء عقله وفهمه عند تلقيه من شيخه ليلقي عليه الشبه والأباطيل شيئاً فشيئاً، ووضعوا تلك القاعدة الظالمة: كن بين يدي المريد كالميت بين يدي مغسله.
وقالوا: من قلة الأدب، وأسباب الحرمان معارضة الشيخ، وسؤاله عن الدليل، ومثل هذا ما ذكره الأخ السائل من قولهم: من اتبع شيخاً ثم خالفه فهو ضال. إلى غير ذلك من الأباطيل التي يجب على أهل الحق - أهل السنة والجماعة - كشف عوارها، وبيان بطلانها، وأنها طرق ملتوية، وسبل متفرقة بعيدة عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال الألوسي في كتابه (غاية الأماني في الرد على النبهاني): وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة مبتدعة الرفاعية، فلا تجد بدعة إلا ومنهم مصدرها، وعنهم موردها ومأخذها، فذكرهم عبارة عن رقص وغناء، والتجاء إلى غير الله، وعبادة مشايخهم وأعمالهم عبارة عن مَسْك الحيات.
ومما يكفي ويشفي في بيان بطلان هذه الطرق واعوجاجها زعم أهلها أنها توصل إلى تمام الولاية التي هي أرفع من مقامات النبوة عندهم، كما قال قائلهم: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي. وقال البسطامي: خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله.
وأعظم من ذلك مجاوزتهم لهذا، وادعاء كثير منهم ما يختص بالله تعالى، كقول الحلاج: لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يكون في غد وبعد غد إلى يوم القيامة. وهذا ادعاءٌ لعلم الغيب وهو كفر. وقال أيضاً مقرراً عقيدة الحلول والاتحاد:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا
فــإذا أبصرتـه أبصرتني وإذا أبصرته أبصـرتنا
أي: أن الله حل فيه وامتزج به لتحقيقه لتلك الولاية - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - ويزعمون أن من حقق هذه الولاية يوكل الله إليه التصرف المطلق في الكون، كما قال الرفاعي:
أنا الرفاعي ملاذ الخافقين فلذ بباب جودي لتعط الخير من ديم
إذا ذكرت بأرض لا نبات لها لأقبلت بصنوف الخير والنعـم
إلى غير ذلك من الترهات والأكاذيب، ولو ذهبنا نستقصي ما سطروه من كذب وخزي لطال الكلام، ولكن ذكر البعض يدل على الكل، وفي هذا كفاية لمن كان له قلب سليم وفطرة سوية، وتجرد لقبول الحق.
والخلاصة: أن هذه الطرق والأوراد التي ترددها الصوفية طرق باطلة، وأذكار مخترعة، وقد تكون مشروعة في ذاتها لكنها مزجت بغيرها، وأديت بكيفيات وهيئات تخرجها عن أصل مشروعيتها.
والطريق الصحيحة الموصلة إلى الله والمحققة لمحبته ورضاه هي: طريقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفائه وأصحابه، ومن تبعهم واقتفى أثرهم من بعدهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) [الجـن:16].
فهي طريقة واحدة لا طرق، وصراط واحد مستقيم، وسبيل واحد لا سبل كثيرة، قال الله تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].
وقد مثل هذا السبيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولذلك قال الله تعالى عنهم: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيْكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:137].
وعند الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة".
وفي الختام ينبغي التنبه باختصار إلى أمرين مهمين:
أولهما: أنه لا ينبغي ذم التصوف بإطلاق، بل هناك تصوف صحيح مضبوط بالضوابط الشرعية، لتزكية النفس وتهذيبها، وهذا ما كان عليه بعض العلماء والزهاد في العصور المتقدمة، قبل دخول الانحراف والابتداع على رجال التصوف.
والثاني: أن علم أحوال القلوب، أو ما يسمى بعلم السلوك لا يؤخذ إلا عمن صح اعتقاده، واستقام حاله، وانضبطت أموره بالكتاب والسنة الصحيحة، وأنه لا ينبغي الاغترار بحال بعض المتبدعة، وشدة تنسكهم وتعبدهم، فالأمر كما قال سفيان رحمه الله: إن الرجل إذا ابتدع ألقى الشيطان عليه التنسك ليصطاد به.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني