الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين الجهل بحرمة الفعل والجهل بما يترتب عليه

السؤال

ما حكم من ارتكب كبيرة لها كفارة، لكنه لم يكن يعلم أن لها كفارة؟ وهل يؤدي الكفارة أم لا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان مرتكب هذه الكبيرة جاهلا بحرمتها، فإنه لا يلزمه شيء على الراجح، وأما إذا كان عالما بحرمتها ولكنه جاهل بعقوبتها، فإن تلك العقوبة تلزمه ولا يؤثر في ذلك جهله بها، فقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا وكان جاهلا بأن حده الرجم، وألزم المجامع في نهار رمضان بالكفارة مع جهله بأن عليه في الجماع كفارة، لكنه كان يعلم حرمة الجماع، وقد أوضح العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ هذا المعنى في مواضع من كتبه وفتاواه المباركة، ومن ذلك قوله ـ رحمه الله: هنا توجد مسألة انتبهوا لها, إذا كان الإنسان يعلم الحكم، ولكن لا يدري ماذا يترتب عليه، فلا يعذر, فلو فرضنا أن رجلاً محصناً متزوجاً وزنى وهو يعلم أن الزنا حرام، لكنه لا يعلم أنه يرجم, هل نرجمه أم لا نرجمه؟ نرجمه، مع أنه يقول: لو علمت أن الإنسان يرجم ما فعلت, نقول: جهلك بالعقوبة ليس عذراً.

كذلك رجل جامع زوجته في نهار رمضان، وقال: ما علمت أن في الجماع كفارة مغلظة, ظننت أن الإنسان يقضي يوماً وينتهي, ولو علمت أن فيه الكفارة المغلظة ما فعلت, هل يعذر أم لا يعذر؟ لا يعذر، بل يجب أن يكفر، المهم أن الجهل للعقوبة ليس عذراً, ما هو العذر؟ الجهل بالحكم هذا هو العذر, ولهذا لو جامع إنسان زوجته في نهار رمضان وقال: لا أدري أنه حرام، إنما ظننت أن الأكل والشرب هو الحرام فقط, نقول: ما عليك شيء ــ لا قضاء ولا كفارة. انتهى.

وقال ـ أيضا ـ رحمه الله: القول الراجح أن من فعل مُفطِّراً من المفطرات، أو محظوراً من المحظورات في الإحرام، أو مفسداً من المفسدات في الصلاة وهو جاهل، فإنه لا شيء عليه، لقول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. {البقرة:286}.

فقال الله: قد فعلت ـ فهذا الرجل الذي أتى أهله في نهار رمضان، إذا كان جاهلاً بالحكم يظن أن الجماع المحرم هو ما كان فيه إنزال، فإنه لا شيء عليه، أما إذا كان يدري أن الجماع حرام، ولكنه لم يعرف أن فيه الكفارة فإن عليه الكفارة، لأن هناك فرقاً بين الجهل بالحكم وبين الجهل بالعقوبة، فالجهل بالعقوبة لا يعذر به الإنسان والجهل بالحكم يعذر به الإنسان، ولهذا قال العلماء: لو شرب الإنسان مسكراً، يظن أنه لا يسكر أو يظن أنه ليس بحرام، فإنه ليس عليه شيء، ولو علم أنه مسكر وأنه حرام، ولكن لا يدري أنه يعاقب عليه، فعليه العقوبة ولا تسقط عنه. انتهى.

وبه يتبين لك أن من ارتكب كبيرة تجب فيها كفارة وهو عالم بحرمتها لزمته تلك الكفارة ولم تسقط عنه لجهله بها، وإنما تسقط الكفارة إذا كان جاهلا بحرمة الذنب.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني