الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين التشدد المذموم والورع المحمود

السؤال

على الاغلب وبسبب خوفي الشديد من الله سبحانه وتعالى أتفحص دقائق الامور إذا كانت حلالا أم حراما ، وما حولي يسخرون مني ، هل ما أنا فيه وسوسة أم هذا المطلوب؟وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن تقوى الله تعالى تحمل صاحبها على التحري والاحتياط لدينه, فتجده يجتنب الشبهات خوفا من الوقوع في الحرام , ويدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس . وهذا لا يخرج عن معنى الورع المحمود .

وأما التشدد المذموم فإنما يكون بتحريم الحلال , أو تركه تعبدا , أو التعبد بما ليس عبادة كما سبق بيانه في الفتوى رقم : 47304 .

ويكون بالمبالغة في التعبد بأن يأخذ العبد من الفضائل ما لا يطيق , فدين الله يسر , وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة , وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : أدومها وإن قل . وقال : اكلفوا من الأعمال ما تطيقون . رواه البخاري ومسلم . وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه , فسددوا وقاربوا وأبشروا . رواه البخاري .

قال ابن حجر : والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب . قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة , فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع وفي حديث ابن الأدرع عند أحمد : إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة , وخير دينكم اليسرة . وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية , فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع .اهـ

ومما يذم أيضا : حصول الوسوسة التي تحمل صاحبها على التنطع والتكلف , وتوقعه في المشقة الزائدة والحرج المنفي في الشريعة , فقد قال الله تعالى : هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج. (الحج :78) . وقال سبحانه : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. ( المائدة:6) . وقال عز وجل : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ( البقرة:185) . ولا شك أن هذه الوسوسة التي تحمل صاحبها على العنت والحرج مذمومة شرعا وعقلا . وأن العبد إذا فتح على نفسه هذا الباب فإن الشيطان يلبس عليه ويصرفه عن أداء حقوق واجبة ويحمله على تضييع حدود قائمة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون -قالها ثلاثا- رواه مسلم .

قال النووي : أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم .

والمقصود من بيان صور التشدد المذموم أن تقف السائلة على حقيقة حالها , فإن كان ما توصف به خارجا عن هذه الأنواع , ولا يعدو حدود التقوى والورع الذي صدرنا به الكلام , فحالها محمود , وعليها أن تصبر على سخرية من حولها . وأما إن كانت واقعة في صورة من صور هذا التشدد فعليها أن تجتنبها وأن ترفق بنفسها وبمن حولها .

ونسأل الله تعالى أن يهديك لأرشد أمرك , وأن يرزقك الاستقامة على سنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه . وراجعي للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية : 24800,15186,60661,109600.

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني