الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أوصاها زوجها بأن تسحب ماله إذا مات حتى لا يأخذه الورثة

السؤال

أرجو من سيادتكم التكرم بسعة الصدر حتى أعطيكم كل المعلومات لمساعدتي: فأنا سيدة متزوجة رزقني الله بطفلتين جميلتين ـ أرجو من الله أن يبارك لي فيهما ـ ولم يرزقني الله بولد، ولكنني أحمده وأشكره على ما رزقني، وزوجي يعمل محاميا في شركة حكومية ويتقاضى مبلغا لا بأس به، وأستطيع بهذا المبلغ أن أعيش عيشة طيبة ـ والحمد لله ـ ولا ينقصني أي شيء، ولكن زوجي بسبب المضايقات التي يلاقيها في الشركة التي يعمل بها قرر أن يترك الشركة ويقوم بالعمل بمهنة المحاماة، وطبعا ليس لديه مكتب خاص به وسيقوم بإيجار مكتب بالقانون الجديد وسيادتكم تعلم مدي غلو هذه المكاتب، وأنا خائفة جدا وأعلم أن الرزق بيد الله، ولكن بناتي الآن في سن خطرة فواحدة في الثانوية العامة ـ وما أدراك ما الثانوية العامة؟ والثانية في الصف السادس الابتدائي، والمبلغ الذي يتقاضاه زوجي من الشركة يكفينا، وأدخر منه أيضا لكي أجهز بناتي ومستورة والحمد لله، وقد حاولت أن أتحدث مع زوجي بهدوء حتى يقلع عن فكرة ترك الشركة، ولكنه مصمم على تركها وقال لي إنه سيأخذ من الشركة مبلغا يقارب: 200000 جنيه وقال لي ضعيهم في البنك باسمك وخذي الفائدة واصرفي على البيت من هذا المبلغ، فقلت له إذا توفيت فسيصبح هذا المبلغ ميراثا وسيأخذ إخوتي منه، والعكس إذا وضعت المبلغ باسمك وحدثت وفاة ـ لا قدر الله ـ فسيتقاسم إخوتك هذا المبلغ، فقرر أن يضع المبلغ في البنك باسمه ويعطيني فيزا كارت وقال لي في حالة وفاتي اسحبي المبلغ بالفيزا، وفي حالة وفاتك فسأسحب المبلغ بالفيزا، والمطلوب من سيادتكم الآن وبعد أن تقرأ هذه الرسالة الطويلة المملة أن تقول لي رأيك وما الذي يخالف الشرع في رسالتي؟ لأنني أحب أن أتحرى الحلال، فهل هذا يعتبر تهربا من تطبيق الشرع في الميراث؟.
وآسفة على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففيما عرضت جملة من النقاط نجيبك عليها بالتفصيل:

الأولى: ترك زوجك للعمل وفتحه لمكتب محاماة: وهذا لا حرج فيه إذا التزم بالضوابط الشرعية لتلك المهنة، ومنها اتقاء قول الزور والمحاماة عن أهل الباطل والظلمة، قال تعالى: وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا.

{ النساء: 107 }.

وانظري الفتوى رقم: 1028.

وننصحه بالموازنة بين المصالح والمفاسد في تركه للشركة وانتقاله إلى العمل الحر وما يترتب على ذلك ـ كما ذكرت.

النقطة الثانية: كونه سيودع مبلغا من المال يؤخذ عليه فائدة من البنك: وهذا إن تم عن طريق بنك إسلامي يلتزم بالضوابط الشرعية في معاملاته المالية، وكان المقصود بالفائدة الأرباح التي قد تكون نتيجة استثمار المال فيما هو مشروع، فلا حرج في ذلك.

وأما إن كان الإيداع في بنك ربوي يمنح فائدة ربوية على الادخار: فلا يجوز ذلك، لأنه ربا، والربا من كبائر الذنوب، فلا يحل له فعل ذلك، ولا يحل لك إقراره عليه أو إعانته على ذلك بوجه من الوجوه، وما ينتج عن هذا الإيداع من فوائد فهو مال محرم يجب صرفه في وجوه البر ومنافع المسلمين.

النقطة الثالثة: على فرض أن الإيداع تم في بنك إسلامي، أو أن الزوج تعدى حدود الله فأودع في بنك ربوي باسمك، لتتمكني من السحب منه عند الحاجة فحسب، فلا يعتبر ذلك تمليكا ولو مت فالمال ماله، ولا يورث عنك ولو كان باسمك في البنك إلا إذا أراد تمليكك إياه هبة منه وحزتيه حوزا شرعيا، فيكون حينئذ مالك ـ سواء بقي باسمه أو باسمك ـ فالعبرة في ذلك شرعا هي الملك لا مجرد الإجراءات الإدارية والقانونية.

ومن توفي منكما وهو يملك مالا ولو لم يكن باسمه، فإن ذلك المال ينتقل إلى الورثة ولا يجوز كتمانه أو التحايل عليه، وبالتالي، فلو كان ذلك المال لزوجك ومات عنه فليس لك التصرف فيه وسحبه دون علم ورثته ولو أوصى لك بذلك وأذن لك فيه، لأن ذلك الإذن المعلق بالموت هو من باب الوصية وهي لا تصح للوارث إلا إذا أجازها بقية الورثة ورضوا بها، وكلاكما ـ أنت وزوجك ـ وارث لصاحبه إن حصل الموت مع بقاء الزوجية بينكما، فلا تصح وصيتك له ولا وصيته لك وليس لك من ماله إلا ما ملكك إياه في حال صحته ورشده وتمت حيازته من قبلك قبل موته، أو نصيبك الشرعي في التركة إذا مات عنك.

ولذا، فلا عبرة بكونه يعطيك الفيزا أو تعطيها إياه ليسحب الباقي منكما بعد موت صاحبه ما بقي من المال دون علم الورثة، بل من كان يملك المال ومات عن شيء منه فالمال ينتقل إلى ورثته بموته.

وما تقدم في غير الفوائد الربوية، أما الفوائد: فإنها لا تملك، لأنها مال حرام ومصرفه الفقراء والمساكين، أو منافع المسلمين العامة.

النقطة الرابعة: هي حكم الفيزا: فمنها ماهو مشروع يجوز التعامل به، ومنها ماهو محرم، كما بينا في الفتويين رقم: 2709، ورقم: 2834.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني