الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

فتاة نشأت في بيئة فاسدة ومفككة وأمها مطلقة وتعرضت إلى الاغتصاب عدة مرات ولم تترب ـ لا على الدين ولا الحنان ولا الأخلاق في أيامها الأولى ـ بل كانت في بؤس وشقاء، ولا أحد يرعاها وليس لها مصدر رزق فلم تجد إلا الدعارة سبيلا لذلك وماتت وهي على ذلك، وفتاة أخرى نشأت في بيئة إيمانية ولديها أسرة آمنة مستقرة تحيطها بكل الحنان والرعاية والتريية الإيمانية والأخلاقية وتصلي وتصوم، وتزوجت وتطيع زوجها وماتت وهي على ذلك، فهل الله عز وجل سيحاسب هاتين الفتاتين نفس المحاسبة؟ فكلا الفتاتين لم تختارا أسرتيهما ولا تربيتهما ولا الظروف المحيطة التي أثرت فيهما تأثيراً كليا ولو تبادلت كل واحدة منهما الظروف لتبادلت النتائج.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن أمر الحساب إلى الله عز وجل وهو عنده القسطاس المستقيم فلا يظلم عنده أحد وهو الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرماً، فحاشاه أن يظلم سبحانه، وراجع الفتوى رقم: 32644.

ومما لا شك فيه أن الله تعالى قد جعل هذه الحياة دار ابتلاء، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور . { الملك: 2}.

ولكنه سبحانه لم يترك خلقه هملاً، بل أرسل الرسل وأنزل الكتب ليرشد الناس إلى طريق الحق والخير ولتقوم الحجة وتنقطع المحجة، قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ. { الحديد: 25}.

وقال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. { النساء: 165}.

وقد ركب في الإنسان أدوات الفهم ـ أي السمع والبصر والفؤاد ـ ليعقل مراده ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ. { الملك: 23}.

وبعد هذا البيان والتوضيح يبقى الإنسان مخيراً بين أمرين، إما اتباع الحق، أو الإعراض عنه، فإما أن يؤمن ويستقيم على منهج الله تعالى فيكون من الفائزين، وإما أن يعرض ويتنكب الصراط المستقيم فيكون من الخاسرين، قال الله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا. {الإنسان: 3 }.

فعلى هذا الأساس يكون الحساب، ومن كان له عذر يمكن أن يعذر به، فإنه سيجد الله عفواً كريماً، فليس هناك أحد أحب إليه العذر من الله، ففي الصحيحين عن سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين.

وننصح الأخ السائل وغيره بالإعراض عن البحث في مثل هذه الأمور وأن يصرف همته إلى البحث فيما وراءه عمل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني