الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمور في الوصية لغير الوارث

السؤال

توفي أبي، وترك مبلغاً من المال لعمتي، ولكن المشكلة أن عمتي تسكن في غزة وعمرها قد تجاوز الخامسة والثمانين، ولا أستطيع الوصول إليها أبدًا أبدًا، وهي مقعدة، ولم يرزقها الله بالذرية. فماذا أفعل في المبلغ الذي تركه أبي لها؟ مع العلم أن أبي توفي منذ أربعة أعوام، ومن وقتها وأنا أحاول إرسال المال دون جدوى، ولا أحد يأتي من هناك، ولا أحد يذهب إلى هناك. فهل تأخير سداد الميراث لمستحقيه لظروف قهرية يعتبر إثمًا؟وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا لم تكن عمتك وارثة لأبيك -بأن كانت محجوبة من الميراث بفرع وارث ذكر كما يظهر لنا- فإن المال الذي أوصى به والدك لها يعتبر وصية لغير وارث، وتصح بما لا يزيد على الثلث، ولكن هذا المال وإن كان وصية صحيحة، فإنه لا يصير ملكًا لعمتك إلا بقبولها له بعد وفاة أبيك إن كانت أهلاً للقبول، وإذا لم تكن أهلاً للقبول، فإن قبول وليها يكفي. وإن لم يكن لها ولي، فإن القاضي يتولى ذلك، أو يقيم لها من يقوم به.

جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على اشتراط القبول في الوصية إن كانت لمعين، ومحل القبول بعد موت الموصي، ولا يشترط فيه الفور عند الشافعية والحنابلة، فله القبول على الفور أو على التراخي بعد موت الموصي. اهـ.

وإذا قبلت الوصية، أو قبلت لها بقي المبلغ عندك أمانة إلى أن تتمكن من إيصاله لها، ولن تعدم طريقًا -إن شاء الله تعالى- لإيصاله، وإذا تأخرت في دفعه لعدم وجود سبيل، فلا إثم عليك، وإذا ماتت بعد قبول الموصى به وقبل استلامه انتقل المبلغ الموصى به إلى ورثتها، ويبقى أمانة عندك إلى أن تتمكن من دفعه لهم بعد مماتها.

وأما إذا ماتت قبل قبول الوصية، فإن حق قبول الوصية ينتقل إلى ورثتها في قول جمهور أهل العلم، فإذا قبلوا صار المال تركة يرثونه عنها.

جاء في الموسوعة الفقهية: إذا مات الموصى له بعد الموصي وقبل صدور القبول أو الرد منه، فهل ينتقل ذلك الحق لورثته أم يسقط بموته؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:

الأول: للشافعية والمالكية والحنابلة، وهو أن حق القبول أو الرد في الوصية ينتقل لورثة الموصى له إذا مات بعد الموصي من غير قبول أو رد، لأنه حق موروث، فلا يسقط بموته، بل يثبت للورثة، فإن شاءوا ردوا، واستثنى المالكية من ذلك ما إذا كانت الوصية له بعينه وشخصه، فحينئذ تسقط بموته، ولا ينتقل ذلك الحق إلى ورثته.

الثاني: للحنفية وبعض المالكية، وهو أن الموصى له إذا مات قبل القبول أو الرد بعد وفاة الموصي، فإن الموصى به يدخل في ملكه دون حاجة إلى قبول الورثة، لأن القبول عندهم هو عبارة عن عدم الرد، فمتى وقع اليأس عن رد الموصى له اعتبر قابلاً حكمًا.

الثالث: للأبهري من المالكية وأحمد في رواية عنه أخذ بها ابن حامد ووصفها القاضي بأنها قياس المذهب، وهي أن الوصية تبطل بموت الموصى له قبل قبوله، لأنها عقد يفتقر إلى القبول، فإذا مات من له حق القبول قبله بطل العقد، كالهبة، ولأنه خيار لا يعتاض عنه، فيبطل بالموت، كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة. اهـ.

والخلاصة: أنه إذا ماتت عمتك قبل القبول، فإنه يكون لورثتها حق القبول أو الرد على القول الأول، فإن قبلوا صار المال لهم، وإن ردوا صار المال لورثة أبيك، وعلى القول الثاني يصير المال لورثة عمتك، لأنه صار تركة لها بمجرد موتها، وعلى القول الثالث يصير المال لورثة أبيك لبطلان الوصية.

وكل ما ذكرناه هو على تقدير أن المال وصية، وأما لو كان هبة من أبيك لها، أو دينًا لها عليه، فإن الحكم يختلف، ففي حالة كونه هبة، فإنها تبطل، لأن شرط تمام الهبة حوزها قبل حصول المانع من مرض أو فلس أو موت، وإن كان دينًا لها عليه، فإنه يبقى على ملكها على كل حال، وإذا ماتت انتقل إلى ورثتها، ومثل هذا ما إذا كانت وارثة وكان المقصود حصتها من الإرث.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني