الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أرجو أن تفتوني في قضية وهذه التفاصيل، في جزيرة الرينيون في المحيط الهندي في هذا العام احتفلت بعيد الأضحى ونحرت جميع العائلات المسلمة يوم 11 من ذي الحجة وليس يوم 10 - بعد يوم عرفة بيومين - فهل هذا صحيح أم خطأ؟ وهم الآن في حيرة واختلاف، أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان هؤلاء الناس قد ثبت عندهم شهر ذي الحجة متأخراً عن بلاد أخرى فتعييدهم في ذلك اليوم صواب، وقد بينا حكم هذه المسألة في الفتوى رقم: 58562، فلتراجع.

وإن كانوا كغيرهم في ثبوت الشهر ولكنهم أخروا ذبح الأضاحي إلى اليوم الأول من أيام التشريق فذبحهم وقع صحيحاً مجزئاً عن الأضحية، ولهم ثوابها كاملاً موفوراً ـ إن شاء الله ـ وذلك لأن وقت الأضحية يمتد إلى آخر أيام التشريق على الراجح، وقيل يمتد إلى آخر ثاني يوم من أيام التشريق، وعلى كل فإنهم قد ضحوا في أول أيام التشريق فأضحيتهم مجزئة ـ إن شاء الله ـ والقول بأن وقت الذبح يختص بيوم النحر ـ فقط ـ هو قول محمد بن سيرين ـ رحمه الله ـ وهو خلاف قول الجماهير، والحجة مع من قال إن وقت الذبح يمتد إلى آخر أيام التشريق، فقد روى أحمد في مسنده من حديث جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى الله عليه وسلم قال: وكل أيام التشريق ذبح.

قال الإمام المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ مبينا رجحان هذا القول وخلاف العلماء في المسألة ما عبارته: وقد قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه: أيام النحر: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده ـ وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي ـ رحمه الله ـ واختاره ابن المنذر، ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى وأيام الرمي وأيام التشريق ويحرم صيامها فهي إخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع، وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل منى منحر وكل أيام التشريق ذبح ـ وروي من حديث جبير بن مطعم ـ وفيه انقطاع ـ ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر قال يعقوب بن سفيان: أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون، وفي هذه المسألة أربعة أقوال هذا أحدها.

والثاني: أن وقت الذبح يوم النحر ويومان بعده، وهذا مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة ـ رحمهم الله ـ قال أحمد: هو قول غير واحد من أهل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وذكره الأثرم عن ابن عمر وابن عباس ـ رضي الله عنهم.

الثالث: أن وقت النحر يوم واحد وهو قول ابن سيرين، لأنه اختص بهذه التسمية فدل على اختصاص حكمها به ولو جاز في الثلاثة لقيل لها: أيام النحر كما قيل لها: أيام الرمي وأيام منى وأيام التشريق، ولأن العيد يضاف إلى النحر وهو يوم واحد كما يقال: عيد الفطر.

الرابع: قول سعيد بن جبير وجابر بن زيد: أنه يوم واحد في الأمصار وثلاثة أيام في منى، لأنها هناك أيام أعمال المناسك من الرمي والطواف والحلق فكانت أياماً للذبح بخلاف أهل الأمصار. انتهى.

وإذا تبين لك هذا وعرفت رجحان قول الشافعي وموافقيه من امتداد الذبح إلى آخر أيام التشريق وأن قول الأئمة الثلاثة ـ مالك وأحمد وأبي حنيفة ـ أن الذبح يمتد يومين بعد يوم العيد تبين لك ما قدمناه من أن أضحية هؤلاء الناس وقعت في وقتها، وأما صلاتهم العيد إن كانوا صلوا في اليوم الذي ذبحوا فيه ـ كما هو ظاهر السؤال ـ فإن صلاتهم للعيد قضاء صواب أيضاً، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 80340.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني