الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأمور التي يعذر فيها فاعلها بجهله والأمور التي لا يعذر فيها بالجهل

السؤال

ما هي الأمور التي يعذر فاعلها بجهله، والأمور التي لايعذر فيها بالجهل؟ وما حكم فاعلها في الدنيا من حيث الكفر والإسلام؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد تقدمت لنا فتاوى في مسألة العذر بالجهل، وقد بينا أمثلة لما يعذر فيه بالجهل وما لا يعذر، فراجع ذلك من الفتوى رقم: 111072 . وما أحيل عليه فيها، وأيضا راجع الفتوى رقم: 123136، ورقم: 75673.

ومن المقيد أن ننقل للسائل في هذا الموضوع فتوى العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى التي افتتحها بقوله:

الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين، أي أن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات أو وجود بعض الموانع. وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين: الأول : أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه، فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله تعالى، والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل، والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف:49}. وإنما قلنا: تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالى -في كتابه "طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.

النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام، ولكنه عاش على هذا المكفر، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم .. اهـ.

ثم فصَّل ذلك ـ رحمه الله ـ إلى أن قال: فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين:

أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به. أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله تعالى، فهو كمن حرم ما أحل الله؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه. وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد فقال: إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما". وفي رواية: "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه" . وله من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه". يعني رجع عليه. وقوله في حديث ابن عمر : "إن كان كما قال" يعني في حكم الله تعالى. وكذلك قوله في حديث أبي ذر: "وليس كذلك" يعني في حكم الله تعالى ... اهـ.

إلى أن ختم الفتوى بقوله: والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة والاعتبار وأقوال أهل العلم اهـ.

من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني