الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال: إن الله والشيطان في مقام واحد

السؤال

رجل من بلاد المسلمين ذكر أن الله والشيطان في مقام واحد، فقمت وقلت هذا كافر، فنبهني أحدالإخوة أنه لا يجوز نسبة الكفر لرجل مسلم، واستغفرت في وقتها وفي نفس المجلس. هل علي شيء؟ وماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ندري ما السياق الذي قيلت فيه هذه العبارة الأثيمة وما الباعث عليها. وعلى أية حال فهي عبارة كفرية بلا شك، فإنها سب صريح لله تعالى وتقدس. ولا شك في كفر من قالها إن قالها طوعا وقصدا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإنا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعا بغير كره، بل من تكلم بكلمات الكفر طائعا غير مكره، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطنا وظاهرا، وأن من قال: إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنا بالله وإنما هو كافر في الظاهر، فإنه قال قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين. اهـ. وراجع في تفصيل ذلك الفتوى رقم:137051.
ودعوى الجهل لا تقبل في سب الله تعالى، كما سبق لنا تفصيله في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 178751808023340144555.
وأما مسألة تكفير المعين، فالمسلم لا يحكم بكفره إلا إذا أتى بقول أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر، ومع ذلك فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توافرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه. ومن ذلك أن يكون بالغا عاقلا مختارا غير معذور بجهل أو تأويل.
وعلى ذلك فإن كان المقصود هنا أن قائل ذلك قد يكون مكرها أو أن كلامه يحتملا تأويلا ، فهذا مانع من الحكم بكفره، وأما إن كان المراد أنه قد يكون غير مستحل أو جاهلا أو ذاهلا ـ فليس بصواب.

قال شيخ الإسلام: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا، وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده. هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة. اهـ. وتفصيل ذلك قد سبق في الفتوى الأولى المحال عليها سابقا.
وقد أحسن السائل على أية حال في ندمه واستغفاره ؛ لأن تكفير المعين لا يتأتى لكل أحد، ولا يصح التساهل فيه، فهذا شيء يختص به أهل العلم والقضاة والولاة.

قال الشيخ الدكتور صالح آل الشيخ في (شرح الطحاوية): عند أهل السنة والجماعة لا يتساهل في أمر التكفير، بل يحذر منه ويخوف منه. وأيضا لا يمنعون تكفير المعين مطلقا؛ بل من أتى بقول كفري يخرجه من الملة، أو فعل كفري يخرجه من الملة، أو اعتقاد كفري يخرجه من الملة أو شك وارتياب يخرجه من الملة، فإنه بعد اجتماع الشروط وانتفاء الموانع يحكم عليه العالم أو القاضي بما يجب من الردة ومن القتل بعد الاستتابة في أغلب الأحوال. اهـ.
وقال الدكتور علي الشبل في بحث (مسألة الإيمان دراسة تأصيلية): وههنا أمر مهم لابد من التفطن له، وهو أن ثمة فرقاً بين مراحل ثلاث في الكفر المخرج عن الملة والموجب للردة، وهي:
1- تعيين أن هذا الجرم من الكفر الأكبر، بالدلائل الشرعية.
2- ثم مرحلة تكفير المعيَّن المواقع لهذا الجرم؛ باجتماع الشروط فيه وانتفاء الموانع عنه، وهو مناط بالقضاة الشرعيين أصالة.
3- ثم مرحلة ثالثة بعدم القطع له بعد الموت بالخلود في النار، مع إجراء أحكام الكفر عليه في أحكام الدنيا.
اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني