الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رأي الأحناف في النبيذ والقول المفتى به عندهم

السؤال

إنني منذ فترة أدرس مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان ـ رحمه الله تعالى ـ حتى وصلت إلى هذه المسألة: وهي مسألة شُرب نبيذ التمر والعنب والأشربة المصنوعة من الشعير والذرة والعسل وغيرها، وإن كانت مشتدة ـ مسكرة ـ وجواز شرب هذه الأشربة ما لم يصل شاربها إلى حد السكر، وأن القليل منها مباح، وساق الحنفية أدلة كثيرة جدا على ذلك مبسوطة في كتبهم كما تعلمون سيدي، فإنني أريد من مركزكم بيانًا حول هذه المسألة من مذهب الإمام أبي حنيفة، وهل شرب هذه المشروبات في زماننا مباحٌ ما لم تسكر، مثل شرب بعض المشروبات المخمرة والمعتقة والمقطرة مثل البيرة خفيفة التركيز 5% و 8% فمن المشاهد ومن تجربة الآخرين القليل منها ومن غيرها بالفعل ثبت أنه لا يسكر؟ وهل تندرج هذه المشروبات تحت قول السادة الحنفية؟ أفتونا مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد بينا هذه المسألة في أكثر من فتوى، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام، وذلك لما جاء في الصحيحين وغيرهما عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام. وفي رواية: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام. وفي رواية: وما أسكر كثيره فقليله حرام.

ولذلك لا يجوز تناول شيء من المشروبات المخمرة أو المعتقة ولو كان قليلا لا يسكر، فإن ما أسكر كثيره فكثيره حرام، فهذا هو مذهب جمهور أهل العلم قديما وحديثا، وقد ذكرناه مفصلا في الفتوى رقم: 19795.

وما ذكرت عن السادة الأحناف في حكم الأشربة معروف عند أهل العلم قديما وحديثا، قال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد: وأما الأنبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر، وأجمعوا على أن المسكر منها حرام فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين: قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام، وقال العراقيون: إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين: إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين، وسبب اختلافهم تعارض الآثار والأقيسة في هذا الباب.
وقولهم هذا مرجوح لا يلتفت إليه لما ذكرنا من الأدلة الصحيحة الصريحة، كما هو مذهب جمهور أهل العلم بما فيهم بعض الأحناف منهم محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة وهو المفتى به في مذهبهم، كما جاء في الدر المختار وغيره من كتب الأحناف قال: وحرمها محمد أي الأشربة المتخذة من العسل والتين ونحوهما، قاله المصنف مطلقا قليلها وكثيرها، وبه يفتى، ذكره الزيلعي وغيره واختاره شارح الوهبانية وذكر أنه مروي عن الكل. وفي حاشية ابن عابدين على رد المحتار: والقدح الأخير المسكر هو المحرم أي على قول الإمام دون ما قبله وإن كان المفتى به قول محمد أن ما أسكر كثيره فقليله حرام. وجاء في الموسوعة الفقهية: وَأَمَّا نَبِيذُ الْعَسَل وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُبَاحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، بِشَرْطِ أَلاَّ يُشْرَبَ لِلَهْوٍ أَوْ طَرِبٍ، وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدٌ، وَرَأْيُهُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

ولذلك، فإن ما ذكرت من المشروبات وغيرها مما يحتوي على بعض الكحول أو يسكر كثيرها لا يجوز تناول قليلها ولو لم تسكر، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 35816، وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني