الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تحمل نفس إثم نفس أخرى

السؤال

الناس يرونني سلفيا ملتحيا ملتزما وفي خلواتي كحال القائل:
وكنت امرءا من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي *** فإن مات قبلي كنتُ أحسن بعده أمورًا ليس يحسنها بعدي ـ
دخلت على مواقع جنسية، ولكن الطامة أنني وقعت في شات جنسي مع مجموعة من الملاحدة وكنت أتلذذ بذكرهم لأمهات المؤمنين بكلام لا يمكن ذكره وذكرهم للرسول صلى الله عليه وسلم وسب الله عز وجل والصور الإباحية التي توضع على المصحف وشاركتهم في الأمر وإن كنت لم أسب الله عز وجل ولم أفعل مثلهم، ولكنني رضيت بفعلهم، بل وتلذذت به ساعة الشهوة، وأنا لا أسأل عن كون مثلي يدخل الجنة أو لا، فورب الكعبة كل ما أريده هو أن يسامحني ربي عن ذلك حتى لو عذبني مع الكفار الذين دخلت معهم في هذه الحوارات، أنا كفرتُ بالله ولكن على علم وبينة، وبعد أن ذقت حلاوة الإيمان وأعلم أن ليس لمثلي توبة ولكن أرجو فقط أن يسامحني ربي حتى لو أدخلني النار مع من أنا مثلهم، وأريد أن أسأل عن أمر آخر، هل تحبط أعمال الصالحين ممن يذهبون لدروس العلم وغيره بوجود مثلي بينهم؟ فإني والله ربي الذي لم يشل أركاني لا أحب أن يحرموا الخير بي فإني أحسبهم ليسوا مثلي بل يحبون الله ورسوله حقا، والله ربي الذي لم يتوفني على الكفر لقد هممتُ أن أقتلَ نفسي ندما ولكن قلتُ لعلّ بقائي في الدنيا وشقائي فيها يخفف عني من عذاب الآخرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبرغم ما ذكر السائل من الأمور الفظيعة التي يقشعر لها الجلد، ويمتلأ منها الصدر غيظا وكمدا، فرحمة الله تعالى أكبر وأوسع لمن تاب وأناب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، فأبشر واجتهد أن تكون من هؤلاء، فالله تعالى يقبل توبة عبده من أي ذنب كان، كفرا كان أو غيره، كما قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ { الزمر: 53}.

وقال عز من قائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى { طه: 82}.

وقال عز وجل: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا { الفرقان: 68ـ 70}.

وهذه نصوص واضحة في قبول التوبة من الكفر فما دونه، فما عليك إلا أن تُري الله من نفسك خيرا، وتقبل على طاعته، تائبا منيبا إليه، وعليك أن تحذر من اتباع خطوات الشيطان، والوقوع في حبائل أهل الغواية والضلالة، وراجع للأهمية الفتويين رقم: 112696، ورقم: 118381.

وأما قول السائل: هل تحبط أعمال الصالحين ممن يذهبون لدروس العلم وغيره بوجود مثلي بينهم؟ فالجواب: أن هذا قطعا لا يكون، فقد فقد قال الله تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ { الطور: 21}.

وقال عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ { المدثر: 38}.

وقال سبحانه: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى {فاطر: 18}.

وقال أيضا: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ـ وابن ماجه، وحسنه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني