الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عيب الزمان وهجاء الدهر.. رؤية شرعية

السؤال

قال الامام الشافعي: وما كنت راضٍ من زماني بما ترى ولكني راضٍ بمـا حكـم الدهـر، فإن كانت الأيـام خانـت عهودنـا فإنـي بهـا راضٍ ولكنهـا قهـر ـ هل هذا اعتراض على حكم الله في: ما كنت راض من زماني بما ترى؟ وهل الزمن يعني الله؟ نعيب زمـانـنا والــعــيب فــينـا، ومــا لـزمانـنا عيــب ســــــوانا، ونـــهـجـو ذا الـزمان بغير ذنـب, ولــــو نــطق الــزمان لنا هجانا، وما الذي يقصده هنا الإمام الشافعي في نعيب زماننا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس الزمان هو الله تعالى، وإنما هو الوقت، وهو ظرف الأعمال والحوادث، قال ابن فارس في مقاييس اللغة: الزاء والميم والنون أصل واحد يدل على وقت من الوقت من ذلك الزمان، وهو الحين قليله وكثيره. اهـ.

وكذلك الدهر ليس هو الله تعالى، وليس اسما من أسمائه، وإن كان الله سبحانه هو الفاعل الحقيقي لما يحدث فيه فهو الذي يقلبه كيف يشاء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 180633.

قال ابن فارس: الدال والهاء والراء أصل واحد، وهو الغلبة والقهر، وسمي الدهر دهرا لأنه يأتي على كل شيء ويغلبه، فأما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ـ فقال أبو عبيد: معناه أن العرب كانوا إذا أصابتهم المصائب قالوا: أبادنا الدهر، وأتى علينا الدهر ... وقد يحتمل قياسا أن يكون الدهر اسما مأخوذا من الفعل، وهو الغلبة، كما يقال: رجل صوم وفطر، فمعنى لا تسبوا الدهر، أي الغالب الذي يقهركم ويغلبكم على أموركم. اهـ.

وهذا هو معنى القهر في قول الشاعر: ولكنها قهرـ قال ابن فارس: القاف والهاء والراء كلمة صحيحة تدل على غلبة وعلو .. والقاهر: الغالب. اهـ.

وبنحو قول أبي عبيد: قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في تأويل حديث النهي عن سب الدهر، ولفظه: تأويله ـ والله أعلم ـ أن العرب كان من شأنها أن تذمَّ الدهرَ وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم: من موت أو هدم أو تلف مال أو غير ذلك، وتسب الليل والنهار، وهما: الجديدان، والفتيان، ويقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر وأتى عليهم، فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهرـ على أنه الذي يفعل بكم هذه الأشياء، فإنكم إن سببتم فاعل هذه الأشياء، فإنما تسبون الله عز وجل، فإن الله تعالى فاعل هذه الأشياء. اهـ.

وأما السؤال عن كون ذلك اعتراضا على حكم الله تعالى، فجوابه: لا، فليس هذا اعتراضا، وبيان ذلك يكون بتقرير أن الرضا لا يتعارض مع وجود التألم من القضاء والقدر، قال ابن القيم في مدارج السالكين: مراتب الناس في المقدور ثلاثة: الرضا وهو أعلاها، والسخط وهو أسفلها، والصبر عليه بدون الرضا به وهو أوسطها، فالأولى للمقربين السابقين، والثالثة للمقتصدين، والثانية للظالمين، وكثير من الناس يصبر على المقدور فلا يسخط وهو غير راض به، فالرضا أمر آخر، وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم وظن أنهما متباينان، وليس كما ظنه، فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به راض به، والصائم في شهر رمضان في شدة الحر متألم بصومه راض به، والبخيل متألم بإخراج زكاة ماله راض بها، فالتألم كما لا ينافي الصبر لا ينافي الرضا به. اهـ.

وقد سبق لنا بيان الفرق بين سب الدهر وبين وصفه والإخبار عنه، وذلك في الفتويين رقم: 131297، ورقم: 172697.

وأما المقصود بالزمان في قوله: نعيب زماننا ـ أي الحين والوقت الذي نعيش فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني