الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يترك الصلاة في المسجد لعدم خشوعه لعدة أسباب

السؤال

كنت أصلي في البيت والشركة التي أعمل بها حتى اقتربت من سن التاسعة والعشرين، وكنت أصلي بانتظام، وبمجرد أن ينتهي الأذان أستعد للصلاة، ومع السنة أيضا ـ والحمد لله ـ وبالطبع كنت أصلي صلاة الظهر يوم الجمعة في المسجد، وعندما أصلي في البيت أصلي مع زوجتي، وصدفة انقطعت المياه عن الشركة فتوجهت للوضوء والصلاة في المسجد، وقد شعرت بشعور طيب فنويت أن أصلي في المسجد بعد ذلك بانتظام، واستغرق مني الانتظام في الصلاة في المسجد أسبوعين تقريبا، وبعدها أصبحت أصلي كل الصلوات في المسجد ـ والحمد لله ـ وبعد مرور4 أشهر تقريبا بدأت مشاكل تحدث أوجزها في التالي:
1ـ للأسف بدأت روائح بعض المصلين ـ الملابس، والنفس، والتجشؤ ...إلخ ـ تؤذيني أذى شديدا جدا وتخرجني عن التركيز والخشوع، وأكاد أصرخ وأنا في الصلاة بسبب ذلك، وبالطبع لم تكن لدي الجرأة لأتحدث مع هذا الشخص، أعمل في إحدى الدول العربية التي بها الكثير من الجنسيات المختلفة، وكذلك تصرفات ـ من النظر في الساعة!! الهاتف المحمول!! تحريك اليد على الوجه والأنف ـ وكأن المصلي جالس وحده في البيت وليس في صلاة أمام الله تعالى.
2ـ صراخ الأطفال ولعبهم وجريهم في المسجد يشتتني كثيرا في الصلاة والقراءة.
3ـ عندما كانت تطول قراءة الإمام أشعر بنوع من عدم الاتزان وأشعر أنني سأسقط على ظهري، وما إن أخرج من المسجد وأمشي قليلا حتى تزول هذه الحالة، سألت طبيب أنف وأذن فقال إنني سليم ولا توجد عندي مشكلة، فقمت بتغيير المسجد وصليت مع إمام لا يطيل في الصلاة، فشعرت أن حالة عدم الاتزان زالت عني، فهل علي إثم إن تركت من يطيل في الصلاة؟.
4ـ أشعر أن الجميع ينظر إلي عندما أدخل المسجد ولا أعلم السبب، فماذا أفعل؟.
5ـ تأتيني أصوات في رأسي وكأنني أعلق على أي خطأ يحدث من الإمام أو من بعض المصلين كرنين الهاتف المحمول، أو أصوات الأطفال، فماذا أفعل فيها ؟
كل ذلك يذهب خشوعي في الصلاة ويجلعني أشعر بالثقل عندما أهم بالذهاب إلى المسجد، فما رأيكم في هذه النقاط؟ وبماذا تنصحونني؟ وهل أعود للصلاة في البيت؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكر لك حرصك على تعلم دينك، ونسأل الله ألا يزيغ قلبك بعد أن هداك للإيمان، وأما ما سألت عنه: فجوابه أن الشيطان لا يحرص على من هم رهن إشارته، وإنما يحرص كل الحرص على من تفلتوا من يديه، فيأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن شمائلهم يريد أن يصدهم عما هم عليه من الاستقامة والقرب من الله تلك، هي غايته في هذه الدنيا، فاجعل عداوتك معه وحرصك على أن لا يغلبك على أمرك ولا يصدك عما أنت عليه من الخير، والأمر يحتاج مجاهدة نفس، وقد نقل عن أحد السلف قوله: كابدت الصلاة عشرين سنة حتى وجدت لذتها.

واعلم أن كيد الشيطان ضعيف، فاستعذ بالله منه، ودم على ما أنت عليه من الحرص على الصلاة في المسجد، ففي الصحيحين عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: من سره أن يلقى الله تعالى غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهنَّ.
وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه أتى النبي رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب.

وفي حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذرٍ. رواه الحاكم وابن حبان وابن ماجه، وصححه الألباني.

واحتسب أجر ما تجده من عناء ومشقة، وجاهد نفسك على الحضور في الصلاة والخشوع فيها حتى تجد لذتها، فمن وجدها ملأت سمعه وبصره، فلا يشعر فيها بما حوله، لاستغراقها لجميع حواسه، روي أن أحد السلف احتيج إلى قطع رجله بسبب علة فيها، فقال: اقطعوها حينما أدخل في صلاتي، وفعلوا، لأنها اللحظة التي يغيب فيها إحساسه وشعوره، للذة مناجاته لربه، وأما بحثك عمن لا يطيل فلا إثم فيه، وكذا لو بحثت عن مسجد تشعر فيه بالراحة والطمانينة لنظافته أو حسن سلوك جماعته، أو غير ذلك فلا حرج عليك فيه أيضا، وينبغي أن تنبه الإمام أومسؤول المسجد حينما تلاحظ ما ينبغي تنزيه المسجد عنه مما يؤذي المصلين ويشغل بالهم ويقطع خشوعهم ليتداركوا ذلك فيما يستقبل وينبهوا المصلين عليه وهكذا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني