الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجوز لي أن أهجر أخي فوق ثلاثة أيام لأنه ساحر؟

السؤال

أنا في حيرة من أمري فأرجو من فضيلتكم أن ترشدوني إلى الصواب وإلى ما فيه رضى الله، وسأختصر حكايتي الطويلة: تعرف مغربي إلى أخي وبشّره أن زوجته صاحبة خاتم النور، وبعد أن فتحوا لها الخاتم بالقرآن ـ سورة النور ـ أصبحت لها قدرات عجيبة: تداوي أمراضًا مستعصية، ومكشوفة الحجاب، وترى الملائكة والجن والشياطين وتستطيع أن تحرقهم، وتسافر من بلد إلى آخر في لحظات, وعلى اتصال دائم بالملائكة والجن, وترى ما تحت الأرض من الكنوز، فدعاني أخي لأكون معهم, وأتعلم الحكم, ونستخرج الكنوز، فعشت معهم سنة كاملة، لكنه يجب طاعة الولية الصالحة، ففي غضبها غضب الله, وفي إرضائها إرضاء لله، واكتشف الجن الصالح والملائكة أنني أشكو عديدًا من الأمراض فداووني روحانيًا بمقابل مادي ـ أتعاب الجن المسلم ـ وإذا أغضبت زوجة أخي أو جئت بالمال متأخرًا تتكلم الملائكة على لسانها بعد التنزيل أني في خطر وسيزول التحصين وأمْرَض مجددًا، وجاءتنا رسالة من حملة العرش أن الله يحب من يرضي صاحبة الخاتم, ويغضب على من يغضبها، حتى إن غرفتي احترقت تلقائيًا حين كانوا في بيتنا, فقالوا لنا: هذا عقاب من الله, والملائكة رفعت التحصين؛ لأن أمي أغضبت زوجة أخي وهي حامل، وبشرتنا الملائكة أن المولودة الجديدة حبيبة الله, وهي نصف جنية, ونقشوا على عظامها القرآن سبع مرات في بطن أمها، ومرة رأت فجأة أن المولودة خرجت من بطنها وكلمتها ثم عادت إلى بطنها مجددًا، وهذا ما حصل وليس بخيال – والله - وكانت على اتصال دائم بها في أذنها، وبعد الولادة مباشرة تكلمت وسمعها الجميع تقول: الحمد لله، فما تفسير ذلك؟ فقد راودتني الشكوك فعرضت أمرهم على الكتاب والسنة، فهم لا يصلون؛ لأن الله يحبهم، فالجن تصلي مكانهم, وغفر لهم ما تقدم وما تأخر من ذنبهم، واستخرت الله فرأيت ثعابين ضخمة تحيط بهم، وأهدى الله أخي ثمان جنيات زوجات, وهن حور العين في الجنة أيضًا، وقد رأيتهن وهن فائقات الجمالٍ، وكل هذا حسب الملائكة؛ لأن أخي وزوجته والمولودة سيقومون بفتوحات إسلامية قريبًا ابتداء من السعودية ثم تونس، قامت بتفجير وإحراق العديد من الأماكن في العالم ـ إسرائيل والبرازيل ـ وأسقطت عمارة يمارس فيها اللواط في الليل مع الجن، وبالفعل في الصباح سمعنا الخبر في الأخبار, وكل هذا تمهيد للفتوحات المزعومة، فما تفسير ذلك؟ فنحن عائلته تعرضنا إلى أذى كبير ثم تصالحنا ثم يعودون، وقد أحرقوا وآذوا العديد وكل من يتعرض لها يعاقبه الله، تبت - والحمد لله - ووالداي وأخواتي صالحون، وأنا أعلم أن صلة الرحم واجبة وأريد أن أقاطعهما تجنبًا للفتنة إلى أن يتوبا؛ لأنني ما زلت ضعيفًا وأقوّي إيماني, وأخشى على ديني، فما زال عودي لينًا دينيًا, ووافقني والداي خوفًا عليّ من أن أفتن مجددًا، فنحن نتعرض للأذى الكبير، وأخي دائمًا يرهبني أو يرغبني بالحكم والكنوز، فحاولت إقناعه، ولكن هيهات! فهما يظنان أنهما من أولياء الله فعلًا، وقال أحد العلماء - رحمه الله -: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام إلا أن يكون يخاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يولد على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان ذلك رخِّص له مجانبته وبعده ـ واعذرني على الإطالة - بارك الله فيكم -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن كان ما ذكرته عن الرجل المغربي الذي تعرف إليه أخوك وعن زوجة أخيك صحيحًا، فاعلم أنهما ساحران يتعاملان مع الجن والشياطين, والقول بأنه تجب طاعتها؛ لأن غضب الله في غضبها, ورضاه في رضاها قول باطل، فليس أحد من الخلق تجب طاعته طاعة مطلقة إلا النبي صلى الله عليه وسلم, وكذا القول بأنها على اتصال دائم بالملائكة, وأنه جاءتكم رسالة من حملة العرش وغيره مما ذكرته كله كذب وضلال مبين.

وقولك: إنهم لا يصلون؛ لأن الله يحبهم هو غاية في الضلال, فأحب الخلق إلى الله تعالى هو رسوله صلى الله عليه وسلم, وما زال يصلي حتى لقي ربه, وقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام أنه بين المرء وبين الكفر ترك الصلاة, فكونهم لا يصلون دليل ظاهر على ضلالهم ومروقهم من الدين، فلا مجال للشك في ضلالهم وكذبهم على الله تعالى وأنهم سحرة.

فالواجب عليك نصحهم وتذكيرهم بالله تعالى، فإن أبوا فاقطع صلتهم, واهجرهم في الله تعالى لعلهم يتوبون، واحذر أيضًا أن يصيبك ما أصابهم من الانحراف، ولا تأثم بقطيعتهم ما داموا على ذلك الضلال، والحديث الوارد في حرمة هجر المسلم ثلاثة أيام هو فيما إذا كان الهجر لحظوظ الدنيا, قال ابن الجوزي: اعلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث، إنما هو فيما يكون بينهم من عتب وموجدة، أو لتقصير يقع في حقوق العشرة ونحو ذلك، فهذا يحد له ثلاثة أيام اهـ.

وأما هجر السحرة الكفرة: فلا يتقيد بثلاثة أيام, قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

وانظر الفتوى رقم: 113636، عن موقف العائلة إذا كان بعض أفرادها يتعامل بالسحر, والفتوى رقم: 136640، في كيفية التحصن من أذى السحرة، والفتوى رقم: 229636، في كون السحر بابا من أبواب الكفر، والفتوى رقم: 68274 عن بعض النصوص في الوعيد للسحرة والدجالين والمشعوذين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني