الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين الأحاديث الواردة في أفضل الأعمال

السؤال

الأحاديث التي تدور حولها الشبهة:
الحديث الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ) أخرجه مسلم.
الحديث الثاني: عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال:(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ فقال: الصلاة لوقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله) رواه مسلم.
الحديث الثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى. رواه الترمذي.
الرابع: حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دُلني على عمل يعدل الجهاد، قال: (لا أجده)، قال: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟) قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: (إن فرس المجاهد ليستنُّ في طِوَله [أي يذهب ويجيء في مرح ونشاط، وهو مربوط في حبله، الفتح (6/5)]، فيكتب له حسنات) [البخاري رقم الحديث 2785، فتح الباري (6/4)، ومسلم (3/1498).
تفصيل الشبهة.
الحديث الأول فيه أن من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة، سيكون صاحب أفضل عمل، إلا من قال أكثر منه، وهذا الحديث أشكل عليّ بسبب الحديث الثاني الذي فيه أن أفضل عمل هو الصلاة، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سيبل الله، وفي الحديث الثالث أصبح ذكر الله أفضل من الجهاد في سبيل الله، مع أن الجهاد في الحديث الثاني كان في المرتبة الثالثة من ناحية الأفضلية، والحديث الأخير قال فيه صلى الله عليه وسلم: (لا أجده) أي: لا يجد عملًا يعدل الجهاد، وهذا يتعارض (في ذهني) مع الأحاديث الأخرى من عدة وجوه:
1- في الحديث الأول أفضل عمل بعد الصلاة بر الولدين، وبعدها الجهاد، ولكن في الحديث الأخير أصبح الجهاد لا يعدله شيء.
2- وأشكل عليّ الحديث الذي جعل رسول الله فيه ذكر الله أفضل من لقاء العدو، وهذا يتعارض مع الحديث الأخير حيث جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل المجاهد كالذي يقوم ولا يفتر، ومن المعلوم أن الصلاة فيها ذكر الله، والتسبيح، والتهليل، والصلاة على النبي، وقراءة القرآن، والصائم الذي لا يفطر، فكيف الجمع بين أن الجهاد أفضل في حديث، وفي حديث آخر الذكر أفضل من الجهاد؟
3- أضف إلى كل هذا الحديث الأول: من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة... الخ لم يأت أحد بعمل أفضل منه، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ. وهنا أصبح أفضل عمل قول: سبحان الله وبحمده مائة مرة أو أكثر، باختصار كيف الجمع بين الأحاديث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الأحاديث، وغيرها من الأحاديث الواردة في أفضل الأعمال، قد جمع بينها أهل العلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس بما يصلح لهم، فيخاطب كل صنف بحسب حاله، فيذكر له ما هو أفضل له وأنفع، ولا يستلزم هذا بالضرورة أفضليته مطلقًا من عموم الناس، وعلى جميع الأحوال.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أفضل الأعمال بعد الفرائض فقال: إنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه، وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جواب جامع، مفصل لكل أحد، لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره، أن ملازمة ذكر الله دائمًا هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة… ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان، وتصوره القلب مما يقرب إلى الله من تعلم علم، وتعليمه، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر فهو من ذكر الله؛ ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلسًا يتفقه، أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقهًا، فهذا أيضًا من أفضل ذكر الله، وعلى ذلك إذا تدبرت، لم تجد بين الأولين في كلماتهم في أفضل الأعمال كبير اختلاف. اهـ.

ولمزيد الفائدة عن مسألة المفاضلة بين الأعمال راجع الفتاوى: 171101، 117046، 151729 وإحالاتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني