الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة شبهات حول تعدد الزوجات

السؤال

للمرأة كل الحق في طلب الطلاق إذا تزوج عليها زوجها، لأن هذا من أسوأ الأضرار الزوجية ولو أن الشرع حلل أربع زوجات لكنه حلل أيضا الزوجة الواحدة، وهذان الحالان متناقضان والقرآن فضل الزوجة الواحدة، لأن هذه الحالة تتسم بالعدل المطلق، عذرا أيها المفتي أرى أنك تقول إنه حرام على المرأة طلب الطلاق من زوجها من غير بأس كما جاء في الحديث، فمن قال لك إن زواج الزوج من الثانية ليس فيه بأس، أنت رجل وتحلل وتحرم بما هو في مصلحتك لأنك رجل، لكن لا يعلم ما في الصدور إلا الرحمن الرحيم، كن عادلا في فتاويك بين الرجل والمرأة
لما أراد علي الزواج ببنت أبي جهل قال له الرسول صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني، وتعدد الزوجات من الأذى
ويجب أيضا استشارة الزوجة الأولى تطبيقا لمبدأ الشورى: وأمرهم شورى بينهم ـ حتى إن الله طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم استشارة قومه وإلا انفضو من حوله، فما بالك بالزوج الذي هو دون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كن واقعيا في فتاواك فالعدل صعب جدا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنحسب أنك في غنى عن استخدام مثل هذا الأسلوب في طرحك السؤال، فقد كان بإمكانك كتابته بأسلوب يتحقق به مرادك من إيراد الاعتراض من غير الوقوع في سوء تعبير واتهام باطل للمجيب عن ذلك السؤال، وما يدريك أن يصيبك بسبب هذا من البلاء ما لا طاقة لك به، قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق:18}.

وثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم.

ونحن نؤكد هنا على ما ذكرناه سابقا من أنه ليس للزوجة أن تطلب الطلاق لمجرد زواج زوجها من ثانية، نعم إذا تضررت الزوجة من ذلك ضررا بينا ـ ولم يكن الحاصل مجرد ما تجد من غيرة في قلبها ـ فلها الحق في طلب الطلاق، ولكن في الوقت نفسه من حق الزوج أن يمتنع عن تطليقها حتى تفتدي منه بعوض، إذا لم يكن الزوج سببا في الضرر، وزواجه من أخرى لا يعتبر سببا من قبله، فهو لم يفعل إلا ما أحل الله له، وراجعي الفتوى رقم: 76251.

هذا أولا.

ثانيا: بالنسبة لقولك: الشرع حلل أربع زوجات لكنه حلل أيضا الزوجة الواحدة، وهذان الحلالان متناقضان ـ إذا كان الشرع قد أحل كلا الأمرين فكيف يكون متناقضا؟! وهو الشرع الحكيم المنزل من عند العليم الحكيم القائل سبحانه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء:82}.

وإذا بدا لنا تناقض فلنتهم فهمنا السقيم، وحاصل الأمر في آية سورة النساء هو أن الله أحل التعدد بشرط العدل، وأخبر أن من خشي أن لا يعدل عليه أن يكتفي بواحدة.

ثالثا: قولك: والقرآن فضل الزوجة الواحدة، لأن هذه الحالة تتسم بالعدل المطلق ـ هذا القول لا يصح بهذا الإطلاق، فالشرع فضل الواحدة لمن خاف أن لا يعدل، والآية واضحة في ذلك، وإلا فمن أهل العلم من اعتبر أن التعدد هو الأصل لا الواحدة، ومنهم من رأى خلاف ذلك، وقد أوضح الخلاف في ذلك الماوردي الشافعي في كتاب الحاوي الكبير، حيث قال: فصل: فإذا ثبت أن نفقات الزوجات واجبة فقد أباح الله تعالى أن ينكح أربعا بقوله: مثنى وثلاث ورباع {النساء: 3} وندبه إلى الاقتصار على واحدة بقوله: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ـ وذهب ابن داود وطائفة من أهل الظاهر إلى أن الأولى أن يستكمل نكاح الأربع إذا قدر على القيام بهن ولا يقتصر على واحدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر عليها، واستحب الشافعي أن يقتصر على واحدة وإن أبيح له أكثر، ليأمن الجور بالميل إلى بعضهن أو بالعجز عن نفقاتهن، وأولى المذهبين عندي اعتبار حال الزوج، فإن كان ممن تقنعه الواحدة فالأولى أن لا يزيد عليها، وإن كان ممن لا تقنعه الواحدة لقوة شهوته وكثرة جماعه، فالأولى أن ينتهي إلى العدد المقنع من اثنتين أو ثلاث أو أربع ليكون أكنى لبصره وأعف لفرجه. اهـ.

رابعا: بخصوص منع النبي صلى الله عليه وسلم زواج علي ـ رضي الله عنه ـ من ابنة أبي جهل راجعي كلام أهل العلم عنه في الفتوى رقم: 67627.

خامسا: ذكرت أنه يجب على الزوج أن يستشير زوجته إذا أراد الزواج من أخرى، والوجوب حكم شرعي يحتاج إلى دليل، نعم يمكن أن يقال إنه يستحب له استشارتها تطييبا لخاطرها، وإلا فالشورى في مثل هذا ليست واجبة، ولمعرفة حكم الشورى في حق الحكام وفي حق غيرهم راجعي الفتوى رقم: 136629.

ثم إنه مِن النساء من ترضى أن يتزوج عليها زوجها، فالغيرة مفطورة في النساء، ولا يمكن أن تترك المصالح الشرعية لأهواء ورغبات الناس، وراجعي في حكمة التعدد الفتوى رقم: 71992.

ونصيحتنا لك في الختام أن تقبلي على ما ينفعك من أمر دينك ودنياك، وإذا أردت أن تسألي فليكن السؤال عما وراءه عمل. رزقنا الله وإياك الهدى والسداد، ووفقنا إلى سلوك سبيل الحق الرشاد.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني