الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أود أن أسال فضيلتكم عن صلاة قيام الليل فقسمت السؤال كالآتي:
1ـ حينما كان يقوم النبي صلى الله عليه وسلم ثلثي الليل أو نصفه، فهل هذا النصف يحسب من بعد انتهاء صلاة العشاء وهو الوقت المتاح فيقوم نصف عدد الساعات من بعد العشاء إلى الفجر، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر العشاء إلى الثلث الأول؟ أم أن هذا النصف يحسب بنصف الليلة من المغرب إلى الفجر.
2ـ بالنسبة لمن يعاني من عرق النسا ويشق عليه الوقوف كثيرا، فهل الأفضل له أن يقسم ورده على عدد أكثر من الركعات قد تزيد على 11 أم يلتزم بهذا العدد ويجلس خلالها؟.
3ـ هل له أن يجلس في بعض الركعة ويقف في بعضها؟.
4ـ هل يقل الأجر إذا جلس بسبب المرض؟.
5ـ هل لحامل القرآن أن يجاهد نفسه بختمة أسبوعية في القيام حتى لو كانت فيها مشقة في البداية، ولكنه يخشى أن لا يداوم عليها، مع الأخذ في الاعتبار أنه تدرج فبدأ بجزء في الليلة حتى وصل إلى ختمة أسبوعية في رمضان، ويريد أن يستمر على ذلك بعد رمضان؟.
6ـ هل هذه النوعية من الأسئلة عبر الإنترنت فيها شبهة رياء أو سمعة؟ أم أن صاحبها يظل شخصية مجهولة، فلا وجود إذا للرياء؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه مجموعة أسئلة نجيب عليها وفق الآتي:

1ـ من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم جزءا كبيرا من الليل بأمر من الله تعالى في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {المزمل: 1ـ 4}.

وكان في بداية الدعوة يقوم معه بعض أصحابه كذلك، ثم نزل التخفيف في قول المولى عز وجل: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ{المزمل:20}.

وعندما نقول إنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم نصف الليل أو ثلثه فالمقصود بالليل ـ كما هو معروف ـ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فإذا كان الليل 12 ساعة، وقلنا إنه قام نصفه فمعناه أنه قام 6 ساعات، وهكذا.. وانظر لبيان كيفية حساب نصف الليل أو ثلثه الفتوى رقم: 31162.

ومن البديهي أن الوقت في زمن النبوة لم يكن محددا بشكل دقيق كما هو الآن حتى نقول إنه كان يقوم 6 ساعات أو ما شابه، إلا أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم التطويل في قيام الليل، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد، فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبا من قيامه.

وعن عبد الله بن مسعود قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطال حتى هممت بأمر سوء، قال: قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه. متفق عليه.

أما قولك: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر العشاء إلى الثلث الأول ـ فليس هذا على إطلاقه، بل الصحيح أنه فعل ذلك في بعض المرات ثم تركه رفقا بأمته، روى النسائي في سننه، وصححه الألباني عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا، وَأَنْتُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ، وَلَوْلَا ضَعْفُ الضَّعِيفِ وَسَقَمُ السَّقِيمِ لَأَمَرْتُ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ تُؤَخَّرَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ.

وانظر الفتوى رقم: 1442.

2ـ من يعاني من مرض لا يستطيع معه فعل كل صلاة النافلة قائما، فالأفضل له أن يفعل ما يستطيع منها قائما، ثم إن أحس بالتعب أو عدم القدرة على المواصلة قائما جلس، ويكتب له أجر القيام كاملا ـ إن شاء الله ـ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً. أخرجه البخاري.

أما إن كان يستطيع الصلاة قائما لكنه يؤديها جالسا، فإن ذلك ينقص من الأجر، فعن عمران بن حصين قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً، فقال إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد. رواه البخاري.

وانظر الفتويين رقم: 50899، ورقم: 62437.

وعليه، فإذا قلنا إن وردك جزء من القرآن مثلا، وأنك إن قسمته على عدد أكثر من الركعات استطعت أن تأتي به قائما، وهذا ـ بالطبع ـ يقتضي أن تأخذ وقتا أطول مما لو كانت الركعات أقل في حال الجلوس، فلا شك ـ والحال هذه ـ أن القيام أفضل لجمعه بين القيام في النافلة وبين طول الوقت الذي يستغرقه الورد عند توزيعه على عدد أكثر من الركعات علما بأن الخلاف المشهور بين العلماء في المفاضلة بين كثرة الركوع والسجود وبين طول القيام إنما هو عند اتحاد الوقت، قال الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير: وأما إذا تفاوتا زمنا، فالأفضل منهما ما كان أطول زمنا اتفاقا. اهـ.

وبه تعلم أن الإتيان بالورد قائما مع الزيادة في عدد الركعات أولى من الإتيان به جالسا مع الاقتصار على إحدى عشرة ركعة، وانظر الفتوى رقم: 195053.

3ـ يجوز للمتنفل أن يبتدئ النافلة جالسا، وله كذلك أن يبتدئها قائما ثم يجلس في أثنائها، ولا حرج في ذلك، جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: ويجوز للمتنفل الجلوس مع القدرة على القيام ولو في أثناء الصلاة، كما لو صلى ركعة قائما، وأراد أن يجلس في الثانية إن لم يدخل أولا ملتزم القيام بأن نذر ذلك باللفظ، وأما نية ذلك فلا تكفي، كما هو المرتضى، وإن خالف وأتم جالسا بعد أن التزم الإتمام قائما أثم ولا تبطل صلاته. اهـ.

4ـ أجبنا على هذه المسألة في النقطة الثانية.

5ـ له ذلك، بل هو مستحب في حقه، لأنه من الحرص على فعل الخير ومجاهدة النفس عليه، لكن الأولى للمرء أن يكون له ورد يستطيع المداومة عليه حتى لا يصاب بالملل ويسبب له ذلك ترك القيام بالكلية، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل، حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه، وإن قل. رواه أبو داود، وصححه الألباني، وورد في الصحيحين نحو هذا.

6ـ الرياء أمر باطني يتوقف على قصد الإنسان ونيته، وهذا النوع من الأسئلة عادة يكون من أجل التفقه في الدين فحسب، فلا نرى أن فيه شبهة رياء أو سمعة خاصة أن صاحب السؤال غير معروف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني