الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ماهي فتنة الدهيماء والأحلاس؟أرجو الإجابة .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فروى أبو داود وأحمد وصححه الحاكم وأقره الذهبي عن عبد الله بن عمر يقول: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ قَالَ هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ.
قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: ( الْعَنْسِيّ ) : بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُون نُون , قَالَ فِي لُبّ اللُّبَاب مَنْسُوب إِلَى عَنْس حَيّ مِنْ مَذْحِج ( كُنَّا قُعُودًا ) : أَيْ قَاعِدِينَ ( فَذَكَرَ ) : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْفِتَن ) : أَيْ الْوَاقِعَة فِي آخِر الزَّمَان ( فَأَكْثَرَ ) : أَيْ الْبَيَان ( فِي ذِكْرهَا ) : أَيْ الْفِتَن ( حَتَّى ذَكَرَ ) : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِتْنَة الْأَحْلَاس ) : قَالَ فِي النِّهَايَة : الْأَحْلَاس جَمْع حِلْس وَهُوَ الْكِسَاء الَّذِي يَلِي ظَهْر الْبَعِير تَحْت الْقَتَب , شَبَّهَهَا بِهِ لِلُزُومِهَا وَدَوَامهَا . اِنْتَهَى . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا أُضِيفَتْ الْفِتْنَة إِلَى الْأَحْلَاس لِدَوَامِهَا وَطُول لُبْثهَا أَوْ لِسَوَادِ لَوْنهَا وَظُلْمَتهَا ( قَالَ ) : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هِيَ ) أَيْ فِتْنَة الْأَحْلَاس ( هَرَب ) : بِفَتْحَتَيْنِ , أَيْ يَفِرّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض لِمَا بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْمُحَارَبَة قَالَهُ الْقَارِي ( وَحَرَب ) : فِي النِّهَايَة الْحَرَب بِالتَّحْرِيكِ نَهْب مَال الْإِنْسَان وَتَرْكه لَا شَيْء لَهُ اِنْتَهَى . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْحَرَب ذَهَاب الْمَال وَالْأَهْل ( ثُمَّ فِتْنَة السَّرَّاء ) : قَالَ الْقَارِي : وَالْمُرَاد بِالسَّرَّاءِ النَّعْمَاء الَّتِي تَسُرّ النَّاس مِنْ الصِّحَّة وَالرَّخَاء وَالْعَافِيَة مِنْ الْبَلَاء وَالْوَبَاء , وَأُضِيفَتْ إِلَى السَّرَّاء لِأَنَّ السَّبَب فِي وُقُوعهَا اِرْتِكَاب الْمَعَاصِي بِسَبَبِ كَثْرَة التَّنَعُّم أَوْ لِأَنَّهَا تَسُرّ الْعَدُوّ اِنْتَهَى . وَفِي النِّهَايَة : السَّرَّاء الْبَطْحَاء , وَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ الَّتِي تَدْخُل الْبَاطِن وَتُزَلْزِلهُ وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهه اِنْتَهَى ( دَخَنهَا ) : يَعْنِي ظُهُورهَا وَإِثَارَتهَا شَبَّهَهَا بِالدُّخَانِ الْمُرْتَفِع , وَالدَّخَن بِالتَّحْرِيكِ مَصْدَر دَخِنَتْ النَّار تَدْخَن إِذَا أُلْقِيَ عَلَيْهَا حَطَب رَطْب فَكَثُرَ دُخَانهَا , وَقِيلَ أَصْل الدَّخَن أَنْ يَكُون فِي لَوْن الدَّابَّة كُدُورَة إِلَى سَوَاد قَالَهُ فِي النِّهَايَة وَإِنَّمَا قَالَ ( مِنْ تَحْت قَدَمَيْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي ) : تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْعَى فِي إِثَارَتهَا أَوْ إِلَى أَنَّهُ يَمْلِك أَمْرهَا ( يَزْعُم أَنَّهُ مِنِّي ) : أَيْ فِي الْفِعْل وَإِنْ كَانَ مِنِّي فِي النَّسَب وَالْحَاصِل أَنَّ تِلْكَ الْفِتْنَة بِسَبَبِهِ وَأَنَّهُ بَاعِث عَلَى إِقَامَتهَا ( وَلَيْسَ مِنِّي ) أَيْ مِنْ أَخِلَّائِي أَوْ مِنْ أَهْلِي فِي الْفِعْل لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِي لَمْ يُهَيِّج الْفِتْنَة وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } أَوْ لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِي فِي الْحَقِيقَة , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله ( وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ ) : قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ . فِيهِ إِعْجَاز وَعَلَم لِلنُّبُوَّةِ وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِبَار كُلّ الِاعْتِبَار لِلْمُتَّقِي وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الرَّسُول فِي النَّسَب , وَأَنْ لَا اِعْتِبَار لِلْفَاسِقِ وَالْفَتَّان عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ فِي النَّسَب اِنْتَهَى . ( ثُمَّ يَصْطَلِح النَّاس عَلَى رَجُل ) : أَيْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى بَيْعَة رَجُل ( كَوَرِكٍ ) : بِفَتْحٍ وَكَسْر قَالَهُ الْقَارِي ( عَلَى ضِلَع ) : بِكَسْرٍ فَفَتْح وَيُسَكَّن وَاحِد الضُّلُوع أَوْ الْأَضْلَاع قَالَهُ الْقَارِي . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هُوَ مَثَل وَمَعْنَاهُ الْأَمْر الَّذِي لَا يَثْبُت وَلَا يَسْتَقِيم وَذَلِكَ أَنَّ الضِّلَع لَا يَقُوم بِالْوَرِكِ . وَبِالْجُمْلَةِ يُرِيد أَنَّ هَذَا الرَّجُل غَيْر خَلِيق لِلْمُلْكِ وَلَا مُسْتَقِلّ بِهِ اِنْتَهَى . وَفِي النِّهَايَة : أَيْ يَصْطَلِحُونَ عَلَى أَمْر وَاهٍ لَا نِظَام لَهُ وَلَا اِسْتِقَامَة لِأَنَّ الْوَرِك لَا يَسْتَقِيم عَلَى الضِّلَع وَلَا يَتَرَكَّب عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ مَا بَيْنهمَا وَبُعْده , وَالْوَرِك مَا فَوْق الْفَخِذ اِنْتَهَى . وَقَالَ الْقَارِي : هَذَا مَثَل وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَكُون عَلَى ثَبَات , لِأَنَّ الْوَرِك لِثِقَلِهِ لَا يَثْبُت عَلَى الضلع لِدِقَّتِهِ , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُون غَيْر أَهْل لِلْوِلَايَةِ لِقِلَّةِ عِلْمه وَخِفَّة رَأْيه اِنْتَهَى . وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِي الْأَزْهَار : يُقَال فِي التَّمْثِيل لِلْمُوَافَقَةِ وَالْمُلَائَمَة كَفّ فِي سَاعِد وَلِلْمُخَالَفَةِ وَالْمُغَايَرَة وَرِك عَلَى ضِلَع اِنْتَهَى . وَفِي شَرْح السُّنَّة . مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْر لَا يَثْبُت وَلَا يَسْتَقِيم لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الضِّلَع لَا يَقُوم بِالْوَرِكِ وَلَا يَحْمِلهُ , وَحَاصِله أَنَّهُ لَا يَسْتَعِدّ وَلَا يَسْتَبِدّ لِذَلِكَ , فَلَا يَقَع عَنْهُ الْأَمْر مَوْقِعه كَمَا أَنَّ الْوَرِك عَلَى ضِلَع يَقَع غَيْر مَوْقِعه ( ثُمَّ فِتْنَة الدُّهَيْمَاء ) : وَهِيَ بِضَمٍّ فَفَتْح وَالدَّهْمَاء السَّوْدَاء وَالتَّصْغِير لِلذَّمِّ أَيْ الْفِتْنَة الْعَظْمَاء وَالطَّامَّة الْعَمْيَاء . قَالَهُ الْقَارِي . وَفِي النِّهَايَة تَصْغِير الدَّهْمَاء الْفِتْنَة الْمُظْلِمَة وَالتَّصْغِير فِيهَا لِلتَّعْظِيمِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالدُّهَيْمَاءِ الدَّاهِيَة وَمِنْ أَسْمَائِهَا الدُّهَيْم زَعَمُوا أَنَّ الدُّهَيْم اِسْم نَاقَة كَانَ غَزَا عَلَيْهَا سَبْعَة إِخْوَة فَقُتِلُوا عَنْ آخِرهمْ وَحُمِلُوا عَلَيْهَا حَتَّى رَجَعَتْ بِهِمْ فَصَارَتْ مَثَلًا فِي كُلّ دَاهِيَة ( لَا تَدَع ) : أَيْ لَا تَتْرُك تِلْكَ الْفِتْنَة ( إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَة ) : أَيْ أَصَابَتْهُ بِمِحْنَةٍ وَمَسَّتْهُ بِبَلِيَّةٍ , وَأَصْل اللَّطْم هُوَ الضَّرْب عَلَى الْوَجْه بِبَطْنِ الْكَفّ , وَالْمُرَاد أَنَّ أَثَر تِلْكَ الْفِتْنَة يَعُمّ النَّاس وَيَصِل لِكُلِّ أَحَد مِنْ ضَرَرهَا ( فَإِذَا قِيلَ اِنْقَضَتْ ) : أَيْ فَمَهْمَا تَوَهَّمُوا أَنَّ تِلْكَ الْفِتْنَة اِنْتَهَتْ ( تَمَادَتْ ) : بِتَخْفِيفِ الدَّال أَيْ بَلَغَتْ الْمَدَى أَيْ الْغَايَة مِنْ التَّمَادِي وَبِتَشْدِيدِ الدَّال مِنْ التَّمَادُد تَفَاعُل مِنْ الْمَدّ أَيْ اِسْتَطَالَتْ وَاسْتَمَرَّتْ وَاسْتَقَرَّتْ قَالَهُ الْقَارِي ( مُؤْمِنًا ) : أَيْ لِتَحْرِيمِهِ دَم أَخِيهِ وَعِرْضه وَمَاله ( وَيُمْسِي كَافِرًا ) : أَيْ لِتَحْلِيلِهِ مَا ذُكِرَ وَيَسْتَمِرّ ذَلِكَ ( إِلَى فُسْطَاطَيْنِ ) : بِضَمِّ الْفَاء وَتُكْسَر أَيْ فِرْقَتَيْنِ , وَقِيلَ مَدِينَتَيْنِ , وَأَصْل الْفُسْطَاط الْخَيْمَة فَهُوَ مِنْ بَاب ذِكْر الْمَحَلّ وَإِرَادَة الْحَالّ قَالَهُ الْقَارِي ( فُسْطَاط إِيمَان ) : بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَل وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَر مُبْتَدَإٍ مَحْذُوف أَيْ إِيمَان خَالِص . قَالَ الطِّيبِيُّ الْفُسْطَاط بِالضَّمِّ وَالْكَسْر الْمَدِينَة الَّتِي فِيهَا يَجْتَمِع النَّاس , وَكُلّ مَدِينَة فُسْطَاط , وَإِضَافَة الْفُسْطَاط إِلَى الْإِيمَان إِمَّا بِجَعْلِ الْمُؤْمِنِينَ نَفْس الْإِيمَان مُبَالَغَة وَإِمَّا بِجَعْلِ الْفُسْطَاط مُسْتَعَارًا لِلْكَنَفِ وَالْوِقَايَة عَلَى الْمُصَرِّحَة أَيْ هُمْ فِي كَنَف الْإِيمَان وَوِقَايَته . قَالَهُ الْقَارِي ( لَا نِفَاق فِيهِ ) : أَيْ لَا فِي أَصْله وَلَا فِي فَصْله مِنْ اِعْتِقَاده وَعَمَله ( لَا إِيمَان فِيهِ ) : أَيْ أَصْلًا أَوْ كَمَالًا لِمَا فِيهِ مِنْ أَعْمَال الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْكَذِب وَالْخِيَانَة وَنَقْض الْعَهْد وَأَمْثَال ذَلِكَ ( فَانْتَظِرُوا الدَّجَّال ) : أَيْ ظُهُوره . انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني