الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يسحر النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الشياطين لا تسلط على عباد الله الصالحين؟

السؤال

من المعلوم أن السحر لا يتم إلا بمساعدة الجن للساحر، وذلك بدخول بدن المسحور؛ حتى يحافظ على السحر في بدن المسحور، ويؤثر فيه، ومعلوم عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم من تسلط الشياطين عليه، فكيف أثر السحر في رسول الله صلى الله عليه وسلم دون دخول الجن إلى جسده -جزاكم الله خيرًا، وبارك الله فيكم-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن السحر أنواع، فمنه ما يعمله الساحر بالاستعانة بالشياطين، ومنه ما يعمله من دون استعانة بالشيطان، فقد جاء في رسالة الدكتوراه للدكتور: عبد المحسن المطيري "دعاوى الطاعنين في القرآن الكريم": ومن جملة هذه الطعون قول بعضهم: كيف يسحر النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الشياطين لا تسلط على عباد الله الصالحين، كما قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ {الحجر:42} إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ {النحل: 100} فسحر النبي دليل أنه من الغاوين، وأنه من الذين يتولون الشيطان. اهـ.
فأجاب الدكتور بقوله: السحر أنواع:
1ـ سحر بالأدوية.

2ـ سحر لا حقيقة له، بل هو خيال، أو خفة يد.

3ـ سحر بالاستعانة بالشياطين.

إذن فليس كل أنواع السحر تسلط من الشياطين على المسحور، وذهب بعض العلماء إلى أن سحر النبي صلى الله عليه وسلم من نوع الأدوية، قال ابن حجر: وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْقَصَّار عَلَى أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ مِنْ جِنْس الْمَرَض، بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث: فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّه ـ وَفِي الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ نَظَر, لَكِنْ يُؤَيِّد الْمُدَّعَى أَنَّ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عِنْد الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِل فَكَانَ يَدُور، وَلَا يَدْرِي مَا وَجَعه، وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد اِبْن سَعْد: مَرِضَ النَّبِيّ، وَأُخِذَ عَنِ النِّسَاء، وَالطَّعَام، وَالشَّرَاب، فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ.. الْحَدِيث، ولو سلمنا أنه من النوع الشيطاني، فليس كل تعرض من الشيطان للإنسان معناه أنه ليس من عباد الله، وفرق كبير بين التعرض والمحارشة، وبين التسلط، ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ـ فكل صالح يتعرض له الشيطان، بل هذه وظيفته في الحياة، وهو أقسم على إغواء بني آدم، ولو سلمنا أن هذا من التسلط، فإنه لفترة محدودة، ثم بعد ذلك يذهبه الله تعالى، ويرجع المسلم إلى حاله الأولى، فهذا آدم عليه السلام أغواه الشيطان حتى وقع في أكل الشجرة، وهذا موسى قتل نفسًا بغير نفس فقال: هذا من عمل الشيطان { القصص: 15} ولا يقول أحد: إن هذا من التسلط بمعنى التحكم، والإغواء، والتضليل، بل يبقى آدم وموسى من خير أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني