الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل استخدام الخميرة في العجين يجعله مسكرا؟

السؤال

قرأت إجابتكم للسؤال الذي سألتُه، وهو السؤال رقم: 2553623. قلتم إنه ليس كل ما يسمى كحولاً عند الكيميائيين، يكون مُسكرا. ولكن الكحول الذي ينتج عندما توضع الخميرة في شيء فيه سكّر، هو الكحول الإيثيلي المُسكر. هذا الكحول المُسكر هو الذي يكون في عصير العنب المتخمّر، وأيضاً في العجين المتخمّر. إن وُضعت الخميرة في عصير العنب، ستجعله شراباً مُسكرا. وكما قيل في السؤال المذكور، قدر السكريات في العجين أكثر منه في عصير العنب. وهذا يعني أن العجين المتخمّر بالخميرة، سيكون أكثر إسكاراً من عصير العنب؛ لأن قدر الكحول المُسكر في الشيء، يعتمد على قدر السكّر فيه- السكّر الذي تحوله الخميرة إلى الكحول المُسكر، وثاني أكسيد الكربون.
والآن، فقد ثبت علمياً أن الخميرة تجعل العجين مُسكرا. ومخالفة ذلك، هو كمخالفة كون عصير العنب مُسكراً إن تخمّر، وهذا لا يُعقل.
هذه المعلومات هي الفاصلة في الأمر.
ففتاوى العلماء السابقة في هذا الباب، كالفتوى التي ذكرتموها، لا تتناول هذه المعلومات الحسّاسة. ويبدو أن العرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا عادة يأكلون الخبز الصلب الذي يُكسر، كما تشير بعض الروايات. وهذا النوع من الخبز لا تُستعمل فيه الخميرة. وتسمية العجين بالخمير، لا يثبت استعمال الخميرة فيه. وثبت في صحيح البخاري، أن الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يروا الدقيق النقي، الذي يقول ابن حجر إنه خبز الدقيق الحواري. وثبت في صحيح البخاري أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير رغيفاً مرققاً حتى مات.
يقول ابن حجر في فتح الباري:"أما الخبز المرقق، فقال عياض: قوله: مرققا، أي ملينا، محسنا كخبز الحواري وشبهه، والترقيق التليين، ولم يكن عندهم مناخل. وقد يكون المرقق الرقيق الموسع. اهـ."
هذه المعلومات تشير إلى أن العرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لم يأكلوا الخبز اللين الذي توضع فيه الخميرة.
فبما أنه ثبت كون الخميرة تجعل العجين مُسكرا، أليس الخبز الناتج عن هذه العملية المحرمة حراما؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ندري ما اعتمد عليه السائل في قوله: (مثبت علمياً أن الخميرة تجعل العجين مُسكرا ... ) فهذا القطع يحتاج إلى برهان، وكيف يكون ذلك والواقع يكذبه ؟!

وعلى افتراض أن مراد السائل بذلك أن عملية التخمر تحدث تفاعلات كيميائية، ينتج عنها في العجين كحول إيثيلي، وهو مسكر، فإن هذا لا يعني أن يكون العجين مسكرا! لأنه يكون مستهلكا في كمية العجين، ولا يكون له أثر في الإسكار، وحينئذ فلا إشكال.

وقد سئلت (اللجنة الدائمة للإفتاء) عن بيع الخل، وفيه 6% كحول ما حكم الدين فيها؟

فأجابت: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما أسكر كثيره، فقليله حرام » فإذا كان هذا الخل يسكر كثيره، فقليله حرام، وحكمه حكم الخمر، وإذا كان لا يسكر كثيره، بحيث إن نسبة الكحول تكون في غير الكحول، فلا يظهر لها أثر، فلا مانع من بيعه، وشرائه، وشربه. اهـ.
وعلى أية حال، فإن أهم ما يعنينا هنا هو: من قال من أهل العلم قديما، أو حديثا بحرمة وضع الخميرة في العجين، مع شهرة استعمالها في مختلف البلدان ؟!

وجدير بالسائل إن لم يجد قائلا بهذا القول، أن يريح نفسه من عناء البحث، وطول النظر، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة. فضلا عن نص بعض أهل العلم على الجواز. وقد أساء السائل في قوله: (فتاوى العلماء السابقة في هذا الباب لا تتناول هذه المعلومات الحسّاسة).
وقد أشرنا في جواب سؤالك السابق في الفتوى رقم: 291211 إلى ما يثبت استعمال الخميرة في العجن. وأردنا بذلك لفت انتباهك إلى قدم استعمالها دون نكير من أهل العلم، فكان عجيبا من السائل أن يقول بعد ذلك: (وتسمية العجين بالخمير، لا يثبت استعمال الخميرة فيه)! ولا ندري على أي كتاب من كتب اللغة اعتمد السائل. ثم ما هو سبب تسمية العجين بالخمير، إن لم يكن سببه وضع الخميرة فيه؟!
وأما دعوى السائل بأن هذه المعلومات تشير إلى أن العرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكلوا الخبز اللين الذي توضع فيه الخميرة ـ فعجيبة!

وعلى افتراض صحة ذلك، فلا يعني أنهم لم يعرفوها. وعلى أية حال فالروايات في ذلك إنما تتناول خصوص حال النبي صلى الله عليه وسلم، وتقلله من الدنيا، وزهده فيها. وقد جمعت هذه الروايات بين الخبز المرقق وغيره، مما هو معلوم قطعا عند العرب ومستعمل عندهم، كالشاة المشوية، والأكل على الخوان، والمنخل، ففي صحيح البخاري عن قتادة قال: كنا عند أنس، وعنده خباز له، فقال: "ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا، ولا شاة مسموطة حتى لقي الله". وفي رواية أخرى: "ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سكرجة قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان قط". وعن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه، وننفخه فيطير ما طار، وما بقي ثريناه فأكلناه. رواه البخاري.

قال ابن حجر في (فتح الباري): قوله "النقي" بفتح النون، أي خبز الدقيق الحوارى، وهو النظيف الأبيض. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني