الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من لم يزد في قيام رمضان على ما يقوم به في غيره

السؤال

من كان يقوم الليل في غير مضان بجزءين من القرآن، هل إذا دخل عليه رمضان وكذلك العشر من ذي الحجة واستمر على هذا الكم يصلي وحده في بيته بالجزءين ويكون مقصرًا لأنه لم يجتهد في رمضان ما لم يجتهد في غيره، وتساوى قيامه في رمضان مع باقي السنة؟ مع الأخذ في الاعتبار أنه يزيد القراءة أكثر من ذلك في العشر الأواخر من رمضان لتحري ليلة القدر، أما طوال الشهر فلا يريد أن يزيد عن الجزءين حتى لا يصاب بفتور أو ملل. وهل إذا استمر على ذلك إلى موته يكون من المجتهدين في القيام؟ أم يجب عليه الارتقاء في العبادة دائمًا؟ وهل كان للسلف حال آخر في قيام العشر من ذي الحجة؟
وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته.

وقد دلت السنة على استحباب تخصيص رمضان بمزيد قراءة للقرآن؛ فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة. متفق عليه.
وقد بيّنّا ذلك بالفتوى رقم: 277729.

فعلى هذا؛ السنة ألا تقتصر على الزيادة في العشر فقط، بل في سائر رمضان، وتزيد في العشر على ذلك.

وينبغي للعبد أن يحسن الظن بالله أنه كلما اجتهد أعانه، وفي الحديث: "قال الله -تبارك وتعالى-: أنا عند ظن عبدي بي. رواه البخاري، ومسلم، وزاد أحمد، وابن حبان: "فليظن بي ما شاء".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".

فاستعن بالله يعنْك، وقد أحسن الله إليك فجعلك على طاعة عظيمة، وهي القيام بجزءين فابتهل إليه أن يتم عليك نعمة مداومة القراءة ولزوم السنة بمزيد اجتهاد في رمضان.

وأما حال السلف في قيام عشر ذي الحجة: فيقول ابن رجب في لطائف المعارف: وأما قيام ليالي العشر فمستحب، وقد سبق الحديث في ذلك، وقد ورد في خصوص إحياء ليلتي العيدين أحاديث لا تصح وورد إجابة الدعاء فيهما، واستحبه الشافعي وغيره من العلماء، وكان سعيد بن جبير وهو الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- إذا دخل العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه أنه قال: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر. تعجبه العبادة. انتهى.

وهذا الأثر أسنده أبو نعيم في الحلية، ومعلوم أن قيام الليل من الأعمال الخفية، فقد لا يشتهر كثير من فِعال السلف في ذلك، ويبقى عموم فضل الاجتهاد في هذه الأيام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني