الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

َأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ما هو الحل مع من يعيّرك ويشتمك أمام الناس السكوت له وذهاب كرامتي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالحل الصحيح مع من يشتمك ويعيرك ويسفه عليك هو الإعراض عنه، قال الله تعالى عن عباده المؤمنين: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63]،
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]،
وبهذا الخلق العظيم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون من بعدهم، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال: هي –كلمة زجر- يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل –أي الكثير- ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين؛ إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها وكان وقافاً عند كتاب الله.
فانظر أخي الكريم إلى هذا الأدب الرفيع والخلق السامي، بعكس ما يقع من كثير من الناس فإنهم يردون على السفيه بسفاهة أخرى وربما زادوا عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: وإن أمرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن عباس بن كليب قال أتاني مؤمل الشاعر فقال: قد علمت أنك لا تروي الشعر ولكن اسمع هذه الأبيات الثلاثة إذا أساء إليك لئيم أبداً فامتثلها ولا تجبه:
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
لئيم القوم يشتمني فيخطيئ ولو دمه سفكت فما خطأت
فلست بشاتم أبداً لئيماً خزيت لئن أشاتمه خزيت
وفي لفظ آخر:
إذا نطق السفيه فلا تجبهُ فخير من إجابته السكوت
فإن أجبته فرجت عنه وإن خليته كمداً يموت
ونسب إلى الشافعي رحمه الله قوله:
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً
فتمثل سيرة هؤلاء الأخيار وأعرض عن الجاهلين يرتفع قدرك ويعظم شأنك وتحفظ كرامتك.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني