الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ردود على شبهات تتعلق بالنصارى والتعامل معهم

السؤال

أريد السؤال عن بعض الأمور التي تخص المسلم في بلاد الكفر: أنا شاب مسلم أقيم في بلد أوروبي ومتزوج من فتاة مسيحية وتحبني وأحبها وتحترمني وأحترمها، وهي ـ والحمد لله ـ تؤمن بالله الواحد الأحد وتؤمن بأن سيدنا عيسى عليه السلام هو نبي الله ورسوله ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي الله ورسوله...
السؤال الأول هو: الكثير من الناس عندما يتحدث عن البلاد الأوروبية يقول بلاد الكفر، فهل القصد أن كل من فيها كفار والعياذ بالله؟ أم القصد عادات وتقاليد الدولة؟ لأنني حقا لا أحب هذه الكلمة، أو لا أحب التعميم عن كل شخص في هذه البلاد، فأنا أقيم في بلد أوروبي مسيحي والإسلام هو الديانة الثانية فيه، وهناك الكثير من المسلمين والمساجد وحرية العبادة... وأعرف الكثير من المسيحيين هناك يؤمنون بالله الواحد الأحد ويؤمنون أن النبي عيسى عليه السلام ليس الله أو ابنه وإنما نبيه... وهناك الكثير من المسيحيين الذين يطبقون الشريعة الإسلامية بدون أن يعرفوا كل شيء... في عملهم وحياتهم وعلاقتهم بالآخرين، وهناك يحترم بعضهم بعضا ولا يتدخل أحد في شؤون الآخرين، ونحترم معتقداتنا وتوجد بيننا صداقة وعشرة وحب واحترام، وإذا كان هناك شخص يفعل شيئا محرما في ديننا فهذا ليس من شأني ولن يؤثر علي بأي شكل من الأشكال، لأنني مسلم وإيماني بالله قوي، والله الذي سوف يحاسبه على ما يفعله، وليس لي أي دخل.. كشرب الخمر أو الكذب أو الزنا، فالله هو الذي يحاسبه على هذا، ولكن طبعا سوف أتركه إذا كفر بالله والعياذ بالله أو إذا كان لا يحترم ديني وعقيدتي....
فقط كما في أي بلد هناك الأقليات المتشددون من كل الأديان التي تريد ان تفسد العلاقات بين الأديان المختلفة وأن تجعل الناس تكره وتشكك في بعضها البعض. أعني أن هناك الكثير من المؤمنين من غير المسلمين الذين لا يفعلون الفواحش أو الزنا أو الشرك أو ما شابه، فكيف هم أهل كتاب مثلنا وغالبيتهم يُؤْمِن بالله الواحد الأحد ونقول عليهم كفار؟ لأني أنا حقا لا يعجبني بأن يُقال على الكثير من الناس الذين يؤمنون بالله الواحد الأحد ويؤمنون برسله وأنبيائه وكتبه وملائكته أنهم كفار.
السؤال الثاني: هل حبي لهذا البلد واعتباره وطنا لي أدافع عنه وأحترمه وأخلص له لأنه وطني الذي سأعيش بقية حياتي فيه ويولد أطفالي فيه حرام؟ علماً بأن لا شيء هنا يقيدني أو يمنعني من إقامة شعائري الدينية في أي مكان أو في أي زمان.
السؤال الثالث: هل إذا كنت في جيش هذه الدولة ويجب علي أن احارب الاٍرهاب والارهابيين المتشددين الذين يقتلون النفوس باسم الله وباسم الإسلام هل يحق محاربتهم؟
السؤال الرابع: العمل في منصبي سياسي أو العمل في جيش هذه البلد كمواطن مخلص أدافع عنها ضد أي معتد أو أي حرب عليها لأنها سوف تكون وطني ووطن ابنائي الذي نعيش في ويكفل لنا الحرية والرعاية والمساواة والعدل في كل شيء وأخلص لها طوال حياتي، هل في هذا شيء خاطئ؟ مع العلم أن هناك في هذه البلد قانون في الدستور ينص على حرية الانسحاب من الجيش في حالة الحرب اذا كان رأيي الشخصي أو مبادئي أو ديانتي لا تتناسب أو ترفض المشاركة في هذه الحرب حسب معتقداتي الدينية أو الشخصية. وطبعا إذا كان هناك شيء ضد المسلمين سواء كان في هذا البلد الذي أقيم فيه أو كان في بلد مسلم أو في أي بلد اخر، طبعا أنا لن أقبله وسوف أكون ضده حتى إذا كانوا الإسلاميين المتشددين. ولكني لن أكره هذا البلد وشعبها فقط لأن هناك بعض الأقليات المتشددة في هذه المجتمعات لا تحترم ديني أو تكرهه. وهناك في كل المجتمعات المسلمون والمسيحيون واليهود المتشددون الذين ينشرون هذه الكراهية بين الشعوب والأمم لكي لا يجعلونا نعيش معا في سلام. وهناك أيضا القول بأن الطريق الذي يؤدي للحرام وفعل المحرمات لا يجوز للمسلم أن يمشي فيه ومثال على هذا القول هو أن العديد من الشباب المسلمين عندما يسافرون لأوروبا أو أمريكا ينسون دينهم ويفعلون المحرمات ويتركون صلاتهم ويذهبون فقط وراء غرائزهم وشهواتهم. ولكن هذه هي طبيعة هذا الشخص وهو إيمانه ضعيف وليس لديه القدرة على التحكم في نفسه وشهواته ولذلك قد نسي دينه وربه بسبب أن هناك في هذه البلاد كل شيء متوفر ولكن الفاسقين فقط هم من يستغلون هذه الميزة من أجل شهواتهم. وهذا لأن هناك شخصا إيمانه قوي ويستطيع التحكم في نفسه وشهواته وغرائزه، أقصد أنه ليس علي أخذ هذه الحالات كمثال لعدم الذهاب لهذه البلدة لأن ليس كل شخص مثل الآخر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تناول سؤالك الأول عدة مسائل، تحتاج إلى تفصيل وبيان، وسنحاول إيجازها في النقاط التالية:
أولا: كيفية التمييز بين دار الإسلام ودار الكفر، وسبق أن ذكرنا كلام الفقهاء فيها، فراجع الفتوى رقم: 7517.

ثانيا: الوصف بالكفر أو الإسلام لا يعتمد على الذوق أو الرأي الشخصي! بل هذا الحكم لا يكون إلا من الله تعالى، وإذا رجعنا إلى كتاب الله المجيد للتعرف على أصل من أصول هذه القضية، سنجد التصريح الواضح القاطع بأن الكفر برسول واحد لا يعتبر فقط كفرا بجميع الرسل، بل هو كفر بالله تعالى، كما يدل عليه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:150ـ 152}.

وراجع في بيان ذلك الفتوى رقم: 316453، ومنها تعلم أنه على افتراض أن بعض النصارى لا يشركون بالله تعالى، وأنهم يؤمنون بنبوة عيسى لا ببنوته، فهذا لا يرفع عنهم وصف الكفر، ما داموا يكفرون بالقرآن وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم على افتراض أنهم صدقوا بأن القرآن كلام الله، وصدقوا بوجود النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول من عند الله، ومع ذلك رأوا أنه يسعهم الخروج عن شريعته والوحي المنزل عليه، والعمل بشريعة غيره من الأنبياء فضلا عن غيرهم: فإنهم بذلك لا يدينون بدين الإسلام، ولا يصح وصفهم بالإيمان، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 195365، ورقم: 136005.

ثالثا: الوصف بالكفر لا يعني سوء معاملة صاحبه مطلقا، فالكفار أنواع، ولكل نوع حكمه في الشريعة، فليس الكافر المحارب للدين، المظهر لمعاداة المسلمين، كالكافر المسالم الذي لا يعادي المسلمين، ولا يعين عليهم أعداءهم، فهذا حقه حسن المعاملة التي أجملها القرآن في البر والعدل، كما قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الممتحنة: 8ـ 9}.

وهذه المعاملة الحسنة، يجتمع معها أمران:

الأول: الإشفاق عليهم من عذاب الله، والسعي في هدايتهم ودعوتهم إلى الخير والحق.

والثاني: التبرؤ مما هم عليه من الكفر، وبغضهم في الله تعالى، لأن المسلم حبه وبغضه تبع لمراد الله عز وجل، فهو يحب من يحبهم الله، ويبغض من يبغضهم الله، وقد قال الله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {آل عمران: 32}.

وقال: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {الروم: 45}.

وقال سبحانه: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ {البقرة: 98}.

وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 219466، 130985، 110926، 28155، 128403.

رابعا: قول السائل: لكن طبعا سوف أتركه إذا كفر بالله والعياذ بالله، أو إذا كان لا يحترم ديني وعقيدتي.... نظنه يعني بالكفر هنا: الإلحاد وإنكار وجود الله تعالى! ولا يخفى أن الكفر لا يقتصر على هذا النوع، وسبق أن ذكرنا ما يبين ذلك.

ثم إننا نعتذر عن جواب بقية الأسئلة، فإن سياسية العمل في موقعنا في حال الأسئلة المتعددة في الفتوى الواحدة: أن يجاب عن الأول فقط، ويطلب من السائل أن يعيد إرسال بقيتها كل على حدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني