الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلب من غيره شراء أثاث بمبلغ معين فاشتروا بأكثر منه، فمن يتحمل الزيادة؟

السؤال

كنت أجهز لزواجي، وشراء أثاث البيت في بلدي مصر، وكنت مسافرًا للعمل في السعودية، وكان لي عند أم زوجتي مبلغ 20 ألف جنيه من جمعية كنت مشتركًا معها فيها، وأرسلت مبلغ 10 آلاف جنيه أخرى لها، فكان المبلغ 30 ألف جنيه مصري مع أم زوجتي؛ لشراء الأثاث المطلوب لبيت الزوجية، واتفقت أن الأثاث سيكون بهذا المبلغ 30 ألف جنيه، وتم إبلاغي أن شراء الأثاث تم، وتم نقله إلى بيتي، ولكني فوجئت أن الأثاث تم شرائه بمبلغ 52 ألف جنيه مصري، فتضايقت من ذلك؛ لأن الشراء تم بغير علمي، وعلى غير المتفق عليه، ولم أكن بمصر وقتها، فكان الفارق 22 ألف جنيه، واعتبرتهم أم زوجتي دينًا عليّ أسدده وقتما أشاء، وتكلمت مع زوجتي في ذلك، ولكني سكت عن ذلك مضطرًّا؛ لأن زواجي كان بعد 4 أيام، وأنا في السعودية، مع العلم أنه بعد زواجي بأيام، خرجت أنا وزوجتي لمحلات الأثاث لأعرف أسعار الأثاث، فوجدت أني أستطيع أن أشتري أثاثًا بمبلغ 30 ألف جنيه، مثل الذي اشتروه دون علمي، ولكن أقل جودة.
وبعد فترة من الزواج طلبت أم زوجتي عمل زيارة لها للسعودية لزيارة بيت الله الحرام؛ فحجزت لها أكثر من تذكرة طيران بالريال السعودي بمبلغ 1050 ريالًا تقريبًا، للزيارة والسفر على أن تسدها لي لاحقًا، فما حكم مبلغ الـ 22 ألف جنيه الزائدة على المتفق عليه في أثاث زواجي، فأنا لم أردها لأم زوجتي إلى الآن، هل هي دين عليّ أم لا؟
وإذا كان دينًا في رقبتي لأم زوجتي، فكيف يتم سداد مبلغ تذاكر الطيران؟ هل أخصم من الـ 22 ألف جنيه المذكورة مبلغ الـ 1050 ريال ثمن تذاكر الطيران للزيارة، بعد تحويلها للجنيه المصري؟ مع العلم أن سعر العملة ارتفع للضعف تقريبًا عن وقت حجز تذاكر الطيران، أم تدفع لي قيمة المبلغ بالريال السعودي، بسعر العملة وقت حجز التذاكر، أم على أم زوجتي أن تدفع لي بالريال دون تحويل إلى الجنيه المصري، وأدفع أنا لها مبلغ 22 ألف جنيه المذكورة أعلاه؟
وإذا جاءت مرة أخرى للعمرة، وطلبت مبلغ الـ 22 ألف جنيه، وما يعادلهم بالريال السعودي، لصعوبة الحصول على الريال السعودي بمصر؛ لحاجتها لتنفق منها أثناء العمرة، فهل يجوز أن أدفع لها قيمة المبلغ بالريال السعودي؟ مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع قيمة الريال السعودي للضعف، من وقت اعتبار مبلغ 22 ألف جنيه الزائدة في شراء الأثاث الخاص بزواجي المذكور أعلاه، دينًا لأم زوجتي؟ أرجو الإفادة -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمسائل الخصومات والمناكرات، تحتاج للعرض على قاضٍ شرعي، أو من يقوم مقامه، ممن يسمع للطرفين، ويتحرى في معرفة الواقع بملابساته، ويفصل في النزاع؛ لأن الأمر هنا محتمل، والألفاظ والمقاصد والوقائع لها أثر في الحكم، فقول السائل: (اعتبرتها أم زوجتي دينًا عليَّ، أسدده وقتما أشاء، وتكلمت مع زوجتي في ذلك، ولكني سكت عن ذلك)، يمكن أن يترتب عليه ثبوت هذا الدَّين في ذمة السائل، باعتبار أن تصرف أصهاره في شراء الأثاث المذكور، له حكم تصرف الفضولي، وشراء الفضولي على غيره في ذمته، محل خلاف بين أهل العلم، والجمهور على صحته، إذا أجازه صاحبه، قال الكاساني في بدائع الصنائع: لو اشترى الفضولي شيئًا لغيره، ولم يضف المشترى إلى غيره، حتى لو كان الشراء له، فظن المشتري والمشترى له أن المشترى يكون للمشترى له، فسلم إليه بعد القبض بالثمن الذي اشتراه به، وقبل المشترى له: صح ذلك. اهـ.

وقال الحجاوي في الإقناع: إن اشترى له في ذمته بغير إذنه، صح، إن لم يسمه في العقد، سواء نقد الثمن من مال الغير أو لا، فإن أجازه من اشترى له ملكه من حين العقد، وإلا لزم من اشتراه، فيقع الشراء له. اهـ.

وبوّب البخاري في صحيحه: (باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه، فرضي) وأسند تحته قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار.

قال محمد أنور شاه الكشميري في فيض الباري: أشار إلى جواز بيع الفضولي، ووافق فيه أبا حنيفة، وكذلك الحكم في شراء الفضولي بعد لحوق الإجازة عنده. اهـ.

والمقصود أن اعتبار سكوت السائل إجازة لهذا الشراء، محل نظر يحتاج إلى فصل.

وأمر آخر يرجح هذه الإجازة، وهو استعمال السائل لهذا الأثاث!

وأما قول السائل: (حجزت لها أكثر من تذكرة طيران بالريال السعودي بمبلغ 1050 ريال تقريبًا، لزوم الزيارة والسفر على أن تسددها لي لاحقًا)؛ فهذا يثبت حقه في هذا المبلغ بالعملة التي تعامل بها، وهو الريال السعودي، فله على أم زوجته دين يساوي هذا المبلغ، يرد إليه بمثله من الريالات، أو بما يساويها من غيرها، بقيمته وقت أداء الدين، لا وقت تحمله، وانظر للفائدة الفتويين: 99163، 45096.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني