الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

بالنسبة لمن بلغ بأن أصبح عمره خمسة عشر عاما، ولم يكن يصلي، والآن يريد قضاء تلك الصلوات. فبأي صلاة يبدأ؟ وأيضا إذا جاءني الحيض في وقت صلاة، وكان علي قضاء هذه الصلاة بعد انتهاء الحيض. فهل أقضي هذه الصلاة مع قضاء ما فاتني من صلوات عند بلوغي؟ أم يجب أن أقضيها بعد أن أنتهي من قضاء كل الصلوات التي لم أقم بصلاتها عند البلوغ؟ والتي قد يتطلب قضاؤها أكثر من سنة ونصف؟ وهذا أيضا بالنسبة إذا نمت عن صلاة الفجر، ويجب أن أقضيها بعد استيقاظي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمن فَرَّطَ في الصلاة بعد البلوغ لزمه قضاؤها في قول جمهور أهل العلم، وإن كان لا يعلم عين أول صلاةٍ وجبت عليه عند البلوغ وتركها: هل هي الصبح أم الظهر أو المغرب أو العشاء؟ فإنه يبدأ بالظهر، كمن نسي صلاة ولم يعلم عينها.

جاء في الشرح الكبير للدردير ممزوجا بمتن مختصر خليل: (وَإِنْ) (جَهِلَ عَيْنَ مَنْسِيَّةٍ) يَعْنِي مَتْرُوكَةً وَلَوْ عَمْدًا فَلَمْ يَدْرِ أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ (مُطْلَقًا) أَيْ لَيْلِيَّةٌ هِيَ أَمْ نَهَارِيَّةٌ (صَلَّى خَمْسًا) يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ وَيَخْتِمُ بِالصُّبْحِ، ... اهــ، فيبدأ بقضاء صلاة الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا، ولا يزال يقضي حتى يتيقن براءة ذمته من الفوائت التي عليه ما دام يعلم وقت بلوغه وشك في عدد الصلوات التي تركها.

قال في المبدع: وَمَنْ شَكَّ فِيمَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي زَمَنِ الْوُجُوبِ قَضَى مَا يَعْلَمُ وُجُوبَهُ، وَإِنْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَضَى مَا يَعْلَمُ بِهِ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ... اهـــ.

وجاء في الشرح الكبير لأبي الفرج بن قدامة: فإن جهِل الفَوائِتَ فلم يَعلم قدرَها، قَضَى حتى يَتَيَقنَ بَراءَةَ ذِمتِه ... اهــ

وأما من حاضت بعد دخول الوقت، وقبل أداء الصلاة هل تقضيها - إذا طهرت - قبل تلك الصلوات الفوائت أم بعدها؟ نقول: إن العلماء اختلفوا ابتداءً في قضاء الحائض لتلك الصلاة التي حاضت بعد دخول وقتها، وقبل أن تؤديها؛ فمنهم من يرى أنه لا يلزمها قضاؤها، وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة وهو ما استظهرناه في عدة فتاوى، ومنهم من يرى أنها يلزمها قضاؤها، وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وهو الأحوط، وعلى القول بوجوب القضاء، فإن الشافعية القائلين به يرون أن الترتيب بين الفوائت ليس واجبا أصلا حتى بين التي تُرِكَت بعذر، وبين التي تُرِكَتْ بغير عذر، فيمكنك أن تقضي الصلاة التي تركتِها بسبب الحيض عندما تطهرين.

جاء في حاشية الشرواني: وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَفُوتَ كُلُّهَا بِعُذْرٍ، أَوْ عَمْدًا، أَوْ بَعْضُهَا بِعُذْرٍ وَبَعْضُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـــ.

كما لا يجب عندهم الفور في قضاء الصلاة المتروكة لعذر، قال في مغني المحتاج: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا ...اهـــ، وقال النووي: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ( يعني حديث من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) فَإِنْ أَخَّرَهَا جَازَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْوَادِي، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهَا .. اهــ

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني