الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من لم يُدفَن هل له نصيب من عذاب القبر؟

السؤال

من مات مخنوقًا أو محروقًا، أو في صحراء، ولم يُقبر، هل له نصيب من عذاب القبر؟ وما الحال لو وجدت جثته؟
كشخص غرق في البحر، ولم توجد جثته، أو مات حرقًا، وما بقي من جثته شيء، أو مات في مكان بعيد عن الناس والأنظار، وأكل الطير والحيوانات جثته.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالقبر في حقيقته: هو كل ما يحوي جثة الميت بعد موته، سواء كان في البر، أم في البحر، أم في بطون السباع.

ويجب الإيمان بأن من أراد الله له العذاب في الفترة البرزخية، فلا بد أن يعذب إن لم يتجاوز الله عنه، سواء قبر أم لم يقبر، قال الإمام ابن القيم في كتاب الروح: وَمِمَّا ينبغي أَن يعلم أَن عَذَاب الْقَبْر هُوَ عَذَاب البرزخ، فَكل من مَاتَ وَهُوَ مُسْتَحقّ للعذاب، ناله نصِيبه مِنْهُ، قبر أَو لم يقبر، فَلَو أَكلته السبَاع، أَو أحرق حَتَّى صَار رَمَادًا ونسف فِي الْهَوَاء، أَو صلب، أَو غرق فِي الْبَحْر، وصل إِلَى روحه وبدنه من الْعَذَاب مَا يصل إِلَى الْقُبُور. انتهى.

وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرحه على الطحاوية : كل من مات وهو مستحق للعذاب، ناله نصيبه منه، قُبر أو لم يقبر، فمن أكلته السباع، أو احترق حتى صار رمادًا، ونشر في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور، وكذلك المصلوب، ومن أكلته الطيور، لهم من عذاب البرزخ ونعيمه، قسطه الذي تقتضيه أعماله، حتى لو علق الميت على رؤوس الأشجار في مهب الرياح، لأصاب جسمه من عذاب البرزخ حظه، ونصيبه، ولو دفن الرجل الصالح في تابوت من النار، لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه نصيبه وحظه، فيجعل الله النار على هذا بردًا وسلامًا، والهواء على ذلك نارًا وسمومًا، فعناصر العالم، ومواده منقادة لربها وفاطرها وخالقها، يصرفها كيفما يشاء، ولا يستعصي عليه منها شيء أراده. انتهى.

وإن قيل: كيف يصل العذاب إليه وهو مصلوب، أو موضوع في ثلاجة الموتى، أو غريق في البحر، أو مأكول في بطون السباع، أو نحو ذلك، سواء وجد جسده أم لم يوجد، فاعلم أن ذلك مما لا تدركه العقول، ومرد علمه إلى العليم الحكيم وحده سبحانه.

أما نحن فيجب علينا الإيمان والتسليم، قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلًا، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك، والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له به في هذه الدار. انتهى.

وانظر الفتوى رقم: 4314.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني