الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا لم يذكر العزير بعد إحيائه شيئًا من نعيم القبر أو عذابه؟

السؤال

عندما مات العزير مائة سنة، لماذا لم ير حياة البرزخ، مع أن كل إنسان يموت يشاهد حياة البرزخ، وهو لم يره؛ لأن الملك الذي نزل معه سأله قائلًا له: كم لبثت؟ قال: لبثت يومًا أو بعض يوم.
وسؤالي الثاني: ماذا يسأل منكر ونكير عنه الأقوام الذين سبقونا؟ فنحن يسألاننا: من هو ربنا؟ وما ديننا؟ فنقول: الإسلام، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابنا القرآن، والأقوام الذين سبقونا لم يشهدوا على نبينا محمد، ولا الإسلام، ولا القرآن.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما السؤال الأول، فإنما يتجه في الحكم على عموم البشر، وأما المعجزات والحالات الاستثنائية، فلا يقاس عليها، وإلا فالإشكال الحقيقي في الإحياء بعد الموت هنا في الدنيا، فهذا أغرب وأعجب! ولاسيما بالطريقة المنصوص عليها في قصة عزير، والتي رويت تفاصيلها في كتب التفسير والتاريخ.

والمقصود أن الخاص لا يتعارض مع العام، وقد وردت في سورة البقرة ثلاثة أمثلة أخرى للإحياء بعد الموت، وقعت في بني إسرائيل:

الأول: قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ* ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 55، 56].

والثاني: قوله سبحانه: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة: 73].

والثالث: قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [البقرة: 243].

ولم يذكر في واحد منها أن من أُحيي بعد موته، أَخبر بشيء من عذاب القبر أو نعيمه.

ثم إنه يمكن أن يقال: إن أحوال البرزخ من السؤال، والعذاب أو النعيم، إنما تكون لمن مات موتة لا رجعة فيها، كما هو الأصل والغالب على البشر، وفي الحالات الاستثنائية يكون ذلك بعد الموتة الثانية؛ فإن موتهم الأول إنما هو آية للناس على قدرة الله تعالى على بعث الناس بعد الموت، قال الشنقيطي في أضواء البيان: هناك برهان رابع يكثر الاستدلال به على البعث أيضًا، ولا ذكر له في هذه الآيات، وهو إحياء الله بعض الموتى في دار الدنيا، كما تقدمت الإشارة إليه في: «سورة البقرة»; لأن من أحيا نفسًا واحدة بعد موتها، قادر على إحياء جميع النفوس: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة}، وقد ذكر -جل وعلا- هذا البرهان في: «سورة البقرة» في خمسة مواضع

-فذكر المواضع الأربعة السابقة- ثم قال:

الخامس: قوله تعالى: {قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم}. اهـ.

وأما السؤال الثاني، فجوابه مبني على اختلاف أهل العلم في سؤال القبر، هل هو خاص بهذه الأمة، أم هو لها ولغيرها من الأمم السابقة؟

فأما على القول الأول، فلا إشكال، وأما على القول الثاني، فالجواب هو ما ذكره ابن القيم في كتاب الروح، فقد قال: وكذلك إخباره عن قول الملكين: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ هو إخبار لأمته بما تمتحن به في قبورها، والظاهر - والله أعلم - أن كل نبي مع أمته كذلك. اهـ.

يعني أن كل أمة تسأل عن دينها، ورسولها، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 23100، 199493، 170773.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني