الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين دعوة الناس وبين مجاهدة النفس على الاستقامة

السؤال

كثيرًا ما أنوي الالتزام بورد ثابت من قيام الليل والدعاء، ولكني أفشل في أن أجعله دائمًا ثابتًا، وفي أحيان كثيرة لا أتمكن حتى من قضائه بالنهار إذا فاتني، وهذا مع أنني أطلب العلم الشرعي، وأكملت الدراسة في كلية الشريعة، ولذلك فإني مقل جدًا من الدعوة إلى الله مع علمي بعظم الحاجة إليها في زماننا، خصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لأني أخشى أن تكون عاقبة التصدر لمقام الدعوة وما قد يجلبه من شهرة لمن كانت حاله مثل حالي وخيمة، وذلك بسبب التفريط الذي ذكرته فضلاً عن الذنوب السرية والعلنية وبعضها من الكبائر، وفي الوقت نفسه أخشى أن أكون قد ضيعت على نفسي خيرا كثيرا بإعراضي عن الدعوة ومشاركة الناس والأهل بعض المعلومات التي قد تغيب عنهم، فهل ترون الأنسب لمن كانت حاله مثل حالي هو الاستعانة بالله والتصدر للدعوة على كل حال؟ أم أن التمهل وتأجيل ذلك حتى يصلح الله هذه الحال ومجاهدة النفس في سبيل ذلك قد يكون الأنسب؟
أرجو التوجيه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يهديك ويثبتك، ويعينك على الحق. واعلم أنه لا تعارض بين الاشتغال بدعوة الناس ونفعهم وإيصال الخير إليهم، وبين مجاهدة النفس لتستقيم على أمر الله تعالى بفعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات. ويتأكد ذلك بسبب اصطفاء الله تعالى لك حيث شرح صدرك لطلب العلم الشرعي الشريف، ووفقك للدراسة في كلية الشريعة، والعلم إنما يطلب للعمل، وأما ترك الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بحجة أنك مفرِّط في جنب الله تعالى؛ فذلك من كيد الشيطان ووسوسته؛ حيث أضاف إلى تفريطك نوعًا آخر من التفريط؛ فليس من شرط الداعية إلى الله، والآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر أن يكون كاملًا معصومًا، وإنما يجب عليه أن يجاهد نفسه ويأطرها على الحق أطرًا؛ سعيًا في فكاكها، ويتأكد ذلك في حق من يطلب العلم؛ فإن حجة الله تعالى عليه أظهر، وانظر الفتوى رقم: 28171.

هذا؛ ولا بد أن تتخذ وسائل تعينك على الاستقامة، ومن أهمها: الاشتغال بكتاب الله تعالى قراءة وتدبرًا وضبطًا، بحيث يكون ذلك أعظم مطالبك وأهم أولوياتك، وأن تقرأ فيما يلين قلبك ويرققه من كتب الحديث والرقائق ما تيسر مثل (رياض الصالحين) للإمام النووي و(تهذيب مدارج السالكين) و (مختصر منهاج القاصدين) وغيرها. وأن تصحب مِن الصالحين مَن يصلح أن يكون قدوة لك. وأن تكثر من دعاء الله تعالى أن يشرح صدرك، ويرزقك الاستقامة، والعلم والعمل جميعًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني