الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوصية بين الاستحباب وعدمه

السؤال

عمتي لا تنجب، ولم يكن أحد من إخوتها يصلها غير والدي، وهو الوحيد فيهم الذي كان يفتح لها بيته. المهم عمتي كتبت لأبي نصيبها في بيت العائلة؛ لأنها لا تريد أحدا غيره يرثها، لكن أبي توفي قبلها.
سؤالي هو: هل هذا حلال أم حرام؟ وهل لو هذا حرام ينفع أن توصي لنا في حدود الثلث مثلا؟ مع العلم أنها رافضة تماما أن غيرنا يأخذ نصيبها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فكتابة عمتك نصيبها لأخيها إن أرادت به أنه يأخذه بعد مماتها ــ وليس في حياتها كما يظهر من السؤال ــ فهذه تعتبر وصية، وإذا كان هو وارثا لها، فإن وصيتها له تعتبر وصية لوارث، وهي دائرة بين الكراهة والتحريم عند الفقهاء, قال في كشاف القناع: وَتَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِن الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ... اهـ.
وما دام أن والدك قد مات قبل أخته الموصية، فالوصية بطلت؛ لأن موت المُوصَى له يُبطِلُ الوصية.

قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأيِ. اهــ.
وأما هل لها أن توصي لكم بما لا يزيد عن الثلث، فهذا يرجع فيه إلى حالها، فإن كانت غنية، فلا حرج عليها في أن توصي بالثلث لمن ليس بوارث، وإن كانت فقيرة فإن الأفضل أن تترك مالها لورثتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. متفق عليه.
والوصية إنما تستحب في حق من عنده مال كثير، فيستحب له أن يوصي، وأما من كان عنده مال قليل فلا تستحب له، قال ابن قدامة في المغني: وَأَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ وَرَثَةٌ مُحْتَاجُونَ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ، لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ: إنْ تَرَكَ خَيْرًا.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ: إنَّك أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. وَقَالَ: ابْدَأْ بِنَفْسِك، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ، وَقَالَ عَلِيٌّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ: إنَّك لَنْ تَدَعَ طَائِلًا، إنَّمَا تَرَكْت شَيْئًا يَسِيرًا، فَدَعْهُ لِوَرَثَتِكَ. هـ
وكون إخوتها لا يصلونها هذا لا يبيح لها السعي في حرمانهم من الميراث، فهم يرثونها بسبب النسب لا بسبب الصلة، وقطع صلتهم بها حسابهم فيه على الله تعالى.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني