الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأثران حول مارية القبطية لا يصحان

السؤال

ما هي صحة الأحاديث الواردة في مارية القبطية -رضي الله عنها- مثل:
بَعَثَ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ مَارِيَةَ، وَأُخْتَهَا سِيرِينَ، وَأَلْفَ مِثْقَالٍ ذَهَبا، وَعِشْرِينَ ثَوْبِاً لَيِّنًا، وَبَغْلَتَهُ الدُّلْدُلَ، وَحِمَارَهُ يَعْفُورَ: وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَمَعُهْم خَصِيٌّ يُقَالُ لَهُ: مَابُورُ..، وَبَعَثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، فَعَرَضَ حَاطِبٌ عَلَى مَارِيَةَ الإِسْلامَ، وَرَغَّبَهَا فِيهِ، فَأَسْلَمَتْ، وَأَسْلَمَتْ أُخْتُهَا، وَأَقَامَ الْخَصِيُّ عَلَى دِينِهِ حَتَّى أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعْجَبًا بِأُمِّ إِبْرَاهِيمَ، وكانت بيضاء جميلة، فأنزلها فِي الْعَالِيَةِ، فِي الْمَالِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ مَشْرَبَةُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا هُنَاكَ، وَضَرَبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، وَكَانَ يَطَؤهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، ...إلى نهاية الحديث.
قالت عائشة: ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة -أو دعجة- فأعجب بها رسول الله، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍ لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا.
هل أحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- مارية -رضي الله عنها- لجمالها فقط؟
وهل كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يكره سودة -رضي الله عنها-
وهل هناك غيبة في ميت كمن وصف أم المؤمنين سودة -رضي الله عنها- بأنها غير جميلة؟
هل للمودة علاقة بالمظهر الخارجي والجمال؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكلا الأثرين لا يصح إسناده.

أما الأثر الثاني: فرواه الزبير بن بكار في المنتخب من كتاب أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من طريق: محمد بن حسن، عن محمد بن موسى، عن فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة، عن أيوب بن بشير قال: قالت عائشة: وذكره.
ومحمد بن الحسن بن زبالة، قال ابن معين وأبو داود: كذاب خبيث. وقال النسائي والدار قطني: متروك الحديث.
ومحمد بن موسى الفِطْري - بكسر الفاء وسكون الطاء - المدني: صدوق رمي بالتشيع من السابعة. وتشيعه سبب لرد روايته في هذا الباب؛ لما فيه من الحط على أم المؤمنين عائشة.
وفليح بن سليمان قال ابن حجر: صدوق كثير الخطأ.
وله طريق أخرى عند ابن سعد في الطبقات، ولكن من طريق الواقدي وهو متروك الرواية.
ذكر ذلك صاحب (موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام) وحكم عليه بأنه موضوع. وذكر في رده وجوها أخرى:
الوجه الثاني: أن قولها "يكون عندها عامة النهار والليل" يخالف ما تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من القسم بين الزوجات، والعدل بينهن، حتى قالت عائشة نفسها: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه .... الحديث.
قال ابن عساكر: وكانت له -صلى الله عليه وسلم- سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية أم إبراهيم، وريحانة بنت شمعون الخنافية إحدى بني النضير. قال ابن أبي مليكة: فسألت عائشة عن قسمة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمي ولده؟ فقالت: كان يقسم لهما مرة ويدعهما مرة؛ فإذا قسم أضعف قسمنا فلإحداهن يوم ولنا يومان، وعلى ذلك قسم للمرأة المملوكة النصف مما قسم للحرة.
الوجه الثالث: إذا كان أعجب بها فلماذا لم يتخذها زوجة، وما الذي منعه من ذلك! وقد صنع مثله بجويرية وصفية -رضي الله عنهم. انتهى ملخصا.

وأما الأثر الأول: فرواه ابن سعد في الطبقات عن شيخه الواقدي أيضا، قال: حدثني يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قال: بعث المقوقس صاحب الإسكندرية ... فذكره.
وهذا على إرساله: فيه الواقدي، وهو متروك. وشيخه يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة لم أجد له ترجمة. وقال صاحب كتاب (تراجم رجال الدار قطني في سننه): لم نجده. اهـ.
وقد روى ابن سعد أيضا من هذه الطريق نفسها، قصة مارية - رضي الله عنها – وفيها: وكانت حسنة الدين.
فليس حسنها في جمال المظهر فقط، ولكنها كانت قبل ذلك حسنة الدين. فإذا اجتمع جمال الظاهر والباطن كان أدعى للمحبة، وأفضل في النكاح، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك. رواه البخاري ومسلم. وراجعي في ذلك الفتويين: 242749، 216430. وتجدين فيها إشارة لعلاقة المودة بالجمال.

وأما سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – فلا نعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كرهها، وكذلك لا يصح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلقها، فوهبت يومها لعائشة فأمسكها، وإنما الصحيح أنها -رضي الله عنها- كانت قد كبرت في السن، ولم يكن لها حاجة في الرجال، فوهبت يومها للنبي -صلى الله عليه وسلم- تبتغي بذلك رضاه -صلى الله عليه وسلم-، فعن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري ومسلم. وانظر الفتوى: 227743.

ولم نقف على رواية صحيحة فيها ذكر أم المؤمنين سودة -رضي الله عنها- بأنها غير جميلة أو دميمة، وإنما ثبت في الصحيحين وصفها بأنها امرأة طويلة، كما في قصة نزول الحجاب.

وعلى أية حال، فغيبة الموتى عموما كغيبة الأحياء، بل أشد، وراجعي في ذلك الفتويين: 223348، 369811.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني