الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

توفي والدي -رحمه الله- قبل أكثر من شهر، ومنذ ذلك الوقت وأنا أفكر، كيف أبره بعد وفاته؟ دعوت له، وتصدقت عنه، وكنت أخرج إخوتي الصغار للترفيه، ولكني أريد بره في شيء أعظم وأكثر، فما العمل؟ وقرأت في أحد المواقع أن بر الوالد بفعل ما يحب، ووالدي كان يحب دعوة الأصدقاء والأقارب على موائد طعام، فهل أعمل مائدة لهم بعد وفاته أم ماذا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فشكر الله سعيك، وكتب أجرك في حسن برك بأبيك بعد موته، ورزقك الاستمرار في ذلك.

واعلمي أن البر بالوالدين باق بعد موتهما، وله صور متنوعة واردة في الأحاديث النبوية:

منها: ما روى أبو داود في سننه، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي عليّ من بر أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.

فالذي تقومين به تجاه والدك المتوفى هو الدعاء له، والاستغفار له، قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24]، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: وذكر منها: ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.

وإن أوصى بشيء، أو عهد عهدًا، فعليك بتنفيذ وصيته، والوفاء بعهده، وأن تصلي رحمك، لا سيما من جهته، وتتصدقين بنية أن ثواب هذه الصدقة له.

ومن أفضل الصدقات عن الميت: سقي الماء؛ كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحمد، وأصحاب السنن، عن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.

ولذلك؛ فإن من أفضل ما تتصدقين به عن أبيك هو توفير الماء، بحفر بئر، أو ما أشبه ذلك في الأماكن الفقيرة التي يحتاج أهلها إلى الماء، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم سعدًا -رضي الله عنه-، فقد كانت سقايته معروفة بالمدينة، كما روى الإمام أحمد، وغيره.

وبخصوص ما سألت عنه من دعوة أصدقائه وأقاربه إلى طعام، فهو حسن، مع التأدب بالآداب الشرعية في ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أبر البر، أن يصل الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يولي. رواه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني