الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

سألتكم بالله أن تطمئنوني لأرتاح، فلم أستطع أن أنام أمس، فقد صليت العشاء أمسِ في المسجد، وفي سجدة من السجدات فكّرت في شخص ظلمني، فحاولت أن أنساه، فقلت في سجود السجدة الثانية: لا أدري هل كنت ناسيًا أم متعمدًا، وغالب ظنّي -بنسبة 99 في المائة- أني متعمد في إعادة الصلاة مشقة علي لأني موسوس؛ لأني موسوس، وأعدتها فعلًا، والشيخ عبد الله المصلح أفتاني بإعادة الصلاة؛ لأني تكلمت، مع أني قلت له: غالب ظني أني متعمد بنسبة 99 بالمائة، ولست متيقنًا، فهل يجتمع النسيان وغلبة ظن التعمد في وقت واحد؟
أعدت الصلاة، وفي السجود تكلمت في الصلاة، وغالب ظني بنسبة 99 بالمائة أني تكلمت؛ فخفت أن تبطل صلاتي، فقطعتها، وأعدت الصلاة، وأنا أشعر بالملل، والتعب، فأدّيت العشاء أربع ركعات، وتركت أذكار الركوع السجود، ولم أطمئن، وغالب ظني بنسبة 99 بالمائة؛ لكيلا تختلط عليّ صلاتي، فهل صلاتي باطلة لأني تركت أذكار الركوع السجود، ولم أطمئن؛ لكي أخلط في إعادتها مرة أخرى؟ وصليت الفجر في المسجد، فهل الصلاة باطلة، وكل صلاة أصليها باطلة؛ لأن صلاة العشاء بطلت، وهذا فيه حرج ومشقة؟ سألتكم بالله أن تجيبوني عن سؤالي وتطمئنوني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فيبدو أنك مصاب بوسوسة شديدة، نسأل الله أن يعافينا وإياك.

وننصحك بصدق التوجه إلى الله تعالى، والضراعة إليه، والتذلل بين يديه أن يصرف عنك هذه الوساوس التي تعنتك، وتدخل عليك الحرج، والمشقة.

ويمكن مع ذلك أن تعرض نفسك على طبيب مختص؛ فلعل لوساوسك علاقة بمرض عضويّ، ومن أنفع الأشياء في الوساوس الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها البتة.

وبخصوص الكلام الذي تظن أنك تلفظت به في سجودك؛ فقد أجابك الشيخ، ولا داعي للسؤال عنه مرة أخرى.

أما عن بقية سؤالك، فالجواب: أن من دخل في صلاة فريضة، وجب عليه إتمامها، ولا يجوز له أن يقطعها إلا لضرورة ملحّة يخشى وقوعها، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: قطع العبادة الواجبة بعد الشروع فيها بلا مسوغ شرعي، غير جائز باتفاق الفقهاء؛ لأن قطعها بلا مسوغ شرعي عبث، يتنافى مع حرمة العبادة، وورد النهي عن إفساد العبادة، قال الله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33].

أما قطعها بمسوغ شرعي، فمشروع، فتقطع الصلاة لقتل حية، ونحوها؛ للأمر بقتلها، وخوف ضياع مال له قيمة، له أو لغيره، ولإغاثة ملهوف، وتنبيه غافل أو نائم قصدت إليه حية، ولا يمكن تنبيهه بتسبيح. انتهى.

وجمهور أهل العلم على أن أذكار الركوع والسجود سنة، لا تبطل الصلاة بتركها، سهوًا أو عمدًا، جاء في حاشية الروض المربع: قال النووي، وغيره: تسبيح الركوع والسجود، وسؤال المغفرة، والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام، كله سنة، ليس بواجب. فلو تركه، لم يأثم، وصلاته صحيحة، سواء تركه عمدًا أو سهوًا، لكن يكره تركه عمدًا. وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وقال أبو حامد: هو قول العلماء عامة؛ لحديث المسيء، والأحاديث الواردة في الأذكار محمولة على الاستحباب، جمعًا بين الأخبار. انتهى.

وإعادة الصلاة من غير مسوغ لإعادتها، لا يجوز؛ لأنه غلو، وتعمّق في الدِّين قد حذّر الشارع منه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني