الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضابط الخلوة التي يترتب عليها استحقاق المهر كاملا

السؤال

هل يحق للزوج المهر، والهدايا في حال طلب الطلاق من الزوجة قبل الدخول بها، وبعد الخلوة؟ علمًا أن الخلوة قد تمت مرتين، ولم يحصل جماع، أو تلامس، وإنما تمت مصافحة الزوجة، ووضع خده على خدها، ولم يكن الباب مغلقًا، وقد كانت طفلة صغيرة بعمر السنتين تدخل، وتخرج، وتلعب قريبًا من المكان، وبعد أن تم تحديد موعد الزواج، ودفع تكاليفه، وتكاليف الملكة، والشبكة، والهدايا، فهل يحق للزوج أن يسترد ما دفعه؟ وهل له المهر كاملًا أم نصفه؟ أم لا يحق له شيئًا منه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن المعلوم أنه إذا حصل طلاق بعد الخلوة المعتبرة شرعًا، استحقت المرأة المهر كاملًا، ولا حق للزوج في استرجاع شيء منه، إلا في حالة الخلع.

وإذا حصل الطلاق قبل الخلوة المعتبرة شرعًا، فإن المهر يتنصف، فيكون لها نصف المهر؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ {البقرة:237}، وتستحق نصف المهر؛ سواء طلقها الزوج ابتداء منه، أم طلقها استجابة لطلبها، ولكن إذا طلبت هي الطلاق، فله الامتناع عن طلاقها حتى تفتدي منه بشيء ــ كأن تتنازل عن نصف المهر الذي لها مثلًا ــ، وهذا ما يسميه الفقهاء بالخلع، وانظري له الفتوى: 319126، والفتوى: 203338.

وقد بين الفقهاء ضابط الخلوة التي يترتب عليها استحقاق المهر من عدمه، وذكرناها في الفتوى: 267487 بعنوان: ماهية الخلوة الصحيحة.

وجاء في بدائع الصنائع للكاساني: ثُمَّ تَفْسِيرُ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ، هُوَ: أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْء لَا حَقِيقِيٌّ، وَلَا شَرْعِيٌّ، وَلَا طَبْعِيٌّ:

أَمَّا الْمَانِعُ الْحَقِيقِيُّ، فَهُوَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ، أَوْ ...

وَأَمَّا الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ، فَهُو: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا صَوْمَ رَمَضَانَ، أَوْ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ فَرِيضَةٍ، أَوْ نَفْلٍ، أَوْ بِعُمْرَةٍ، أَوْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ حَائِضًا، أَوْ نُفَسَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ، فَكَانَ مَانِعًا مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا ...

وَأَمَّا الْمَانِعُ الطَّبْعِيُّ، فَهُوَ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتِهِ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ، وَيَسْتَحِي، فَيَنْقَبِضُ عَنْ الْوَطْءِ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ. اهــ مختصرًا.

وفي البحر الرائق: وَاخْتُلِفَ فِي الْبَيْتِ إذَا كَانَ بَابُهُ مَفْتُوحًا، أَوْ طَوَابِقُهُ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ رَآهُمَا: فَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: إنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنٍ، فَهِيَ خَلْوَةٌ، وَاخْتَارَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَانِعٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْفُرُوعُ دَاخِلَةً فِي الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ؛ لِأَنَّ وُجُودَ ثَالِثٍ، وَعَدَمَ صَلَاحِيَةِ الْمَكَانِ، مَانِعٌ حِسِّيٌّ.. اهــ.

والذي يظهر لنا أن الخلوة المذكورة في السؤال، لا تعد خلوة صحيحة، يترتب عليها أثرها، فكون الباب مفتوحًا، ويمكن لكل أحد أن يدخل هذا مانع من الوطء، فلا يترتب على تلك الخلوة استقرار كامل المهر، ويحق للزوج استرجاع نصفه، والهدايا التي أهداها الزوج لزوجته بسبب الزواج، فإن له استرجاعها، ما دام أنه طلقها قبل الدخول، والخلوة المعتبرة، على التفصيل الذي ذكرناه في الفتوى: 243343، والفتوى: 229375.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني