الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يماثل الله تعالى شيء في صفات الكمال الثابتة له

السؤال

عندما كنت أبحث عن صفات الله قرأت أن الله تبارك وتعالى منزه عن أيّ صفة من صفات المخلوقات؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، ومن هذه الصفات التي لا يجوز وصف الله بها هي صفات الألوان، فما معنى أن الله منزه عن صفات الألوان؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكر لك تواصلك معنا.

وظاهر من أسئلتك السابقة وسؤالك هذا جنوحك إلى الوسوسة، والتعمق، والسؤال عما لا ينفعك.

فنوصيك بالإعراض عن الوساوس، وترك التشاغل بها، وأن تصرف همّتك إلى السؤال عن أصول الإيمان، وأعمال القلوب، والعبادات، ونحوها من العلوم التي يحتاجها المسلم في أمر دِينه، وأن تبتعد عن الأسئلة المتكلفة المذمومة، كالتعمق في التفاصيل المحدثة في قضايا صفات الله سبحانه؛ إذ قد يؤدي ذلك إلى ما لا تحمد عقباه.

وقصة الإمام مالك في تقريع السائل عن كيفية الاستواء، والأمر بإخراجه من مجلسه مشهورة، ففي الأسماء والصفات للبيهقي: عبد الله بن وهب، يقول: كنا عند مالك بن أنس، فدخل رجل، فقال: يا أبا عبد الله، {الرحمن على العرش استوى} [طه:5]، كيف استواؤه؟

قال: فأطرق مالك، وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه، فقال: {الرحمن على العرش استوى} [طه:5]، كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف؟ وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه. قال: فأخرج الرجل. قال الذهبي في العرش: إسناده صحيح.

وأما قولك: (الله تبارك وتعالى منزه عن أيِّ صفة من صفات المخلوقات)، فكلام مجمل؛ فإن الذي ينفى عنه الله -جل وعلا- هو مماثلة المخلوقين، وكذلك صفات النقص التي يختص بها المخلوق، وأما صفات الكمال الثابتة لله سبحانه، فيمتنع أن يماثله فيها شيء من الأشياء.

قال ابن تيمية: التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق، أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق؛ فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق، أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله، وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه.

بل يمتنع أن يشترك مخلوقان في شيء موجود في الخارج، بل كل موجود في الخارج، فإنه مختص بذاته، وصفاته القائمة به، لا يشاركه غيره فيها ألبتة.

فإذا كان المخلوق لا يشاركه غيره فيما له من ذاته وصفاته وأفعاله، فالخالق أولى أن لا يشاركه غيره في شيء مما هو له تعالى، لكن المخلوق قد يماثل المخلوق ويكافئه ويساميه، والله سبحانه وتعالى ليس له كفؤ ولا مثيل ولا سمي.

وليس مطلق الموافقة في بعض الأسماء والصفات الموجبة نوعًا من المشابهة، تكون مقتضية للتماثل والتكافؤ، بل ذلك لازم لكل موجودين، فإنهما لا بد أن يتفقا في بعض الأسماء والصفات، ويشتبها من هذا الوجه، فمن نفى ما لا بد منه، كان معطلًا، ومن جعل شيء من صفات الله مماثلًا لشيء من صفات المخلوقين، كان ممثلًا.

والحق هو نفي التمثيل، ونفي التعطيل، فلا بد من إثبات صفات الكمال المستلزمة نفي التعطيل، ولا بد من إثبات اختصاصه بما له على وجه ينفي التمثيل.

فالصفات نوعان:

أحدهما: صفات نقص، فهذه يجب تنزيهه عنها مطلقًا، كالموت، والعجز، والجهل.

والثاني: صفات كمال، فهذه يمتنع أن يماثله فيها شيء.

وكذلك ما كان مختصًّا بالمخلوق، فإنه يمتنع اتصاف الرب به، فلا يوصف الرب بشيء من النقائص، ولا بشيء من خصائص المخلوق، وكل ما كان من خصائص المخلوق، فلا بد فيه من نقص.

وأما صفات الكمال الثابتة له، فيمتنع أن يماثله فيها شيء من الأشياء، وبهذا جاءت الكتب الإلهية، فإن الله تعالى وصف نفسه فيها بصفات الكمال على وجه التفصيل، فأخبر أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه عزيز حكيم غفور ودود سميع بصير، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته، وأخبر أنه ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفوًا أحد، وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}، فأثبت لنفسه ما يستحقه من الكمال بإثبات الأسماء والصفات، ونفى عنه مماثلته المخلوقات.

ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فقوله: "ليس كمثله شيء"، رد على أهل التمثيل، وقوله: "وهو السميع البصير"، رد على أهل التعطيل .اهـ. من الصفدية باختصار.

أما ما أسميته (صفات الألوان)، فلم نقف له على أصل عند علماء أهل السنة، فلا يسعنا إلا الكفّ عن البحث فيه.

وراجع حول صفات الله الفتاوى: 212086، 197971، 259885، 63946، 124646.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني