الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجوز للمظاهِر مسّ زوجته قبل الإطعام أو قبل حلول موعد صرف الشيك؟

السؤال

شخصٌ ظاهَر من زوجته، وقال لها: "أنت محرمة عَلَيَّ مثل أختي"، ويريدُ أن يكفّر عن ظهاره، ولا توجد رقبة، ولا يستطيع الصِّيام؛ لعذر، ويريد أن يُطعم ستين مسكينًا، فهل يُشترط في الإطعام عدم مسّ زوجته، كما يُشترط ذلك في عتق الرقبة، وصيام شهرين مُتتابعين؟ وماذا يفعل؛ لأنه وقع في حيرة من أمره، عندما قرأ أقوال الفُقهاء، فما الرَّاجح؟
ولو أخذ بقول مَنْ يقول بجواز إخراجها -كفارة الظهار- نقودًا، وأخرج شيكًا يأتي موعد صرفه بعد أشهر، وأعطاه لإمام مسجد أمين يصرفه لمساكين يعرفهم هذا الإمام، فهل يجوز هذا؟ مع العلم أنه أخرج الشيك من رقبته، وسلّمه لإمام المسجد.
راجيًا منكم التَّكرم بإجابتي، وجزاكم الله خيرًا على ما قدمتموه، وتقدمونه لخدمة المسلمين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن ظاهر من زوجته، ولم يجد عتق رقبة، ولم يستطع صيام شهرين متتابعين، وأراد أن يطعم ستين مسكينًا، فالراجح من مذاهب جماهير أهل العلم، أنه لا يجوز له مسّ زوجته قبل أن يطعم، قال ابن يونس المالكي في الجامع لمسائل المدونة: وكذلك حكم الإطعام إذا أطعم بعض المساكين، وإن لم يبق إلا مسكين واحد، ثم جامع، استأنف الطعام؛ لقوله تعالى: {قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. انتهى.

وقال المرغيناني -الحنفي- في الهداية في شرح بداية المبتدي: وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام، لم يستأنف؛ لأنه تعالى ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس، إلا أنه يمنع من المسيس قبله؛ لأنه ربّما يقدر على الإعتاق، أو الصوم، فيقعان بعد المسيس. والمنع لمعنى في غيره، لا يعدم المشروعية في نفسه. انتهى.

وقال الروياني -الشافعي- في بحر المذهب: ويكفرُ بالطعامِ قبلَ المسيسِ، لا يجوز المسيس قبل الإطعام، كما لا يجوز قبل العتق، والصوم. انتهى.

وقال ابن مفلح -الحنبلي- في المبدع: يَحْرُمُ وَطْءُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ، إِذَا كَانَ بِالْعِتْقِ، أَوِ الصِّيَامِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِلْآيَةِ. وَكَذَا إِنْ كَانَ بِالْإِطْعَامِ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِمَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ -يَرْحَمُكَ اللَّهُ-؛ فَقَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ. انتهى.

أما من دفع كفارة الإطعام عن طريق شيك يحين ميعاد صرفه بعد أشهر - على مذهب من قال بجواز إخراج القيمة-، فلا نرى أن ذلك يبيح له مسّ زوجته التي ظاهر منها قبل صرف الشيك بالفعل، ودفعه إلى مستحقيه، وإلا يكون قد وقع في المحظور من مسّ زوجته قبل دفع الكفارة، على ما تقدم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني