الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل قول: (أنت كلب ألف مرة) بمنزلة ألف سبة؟

السؤال

إذا سببت شخصًا، وقلت له: "أنت كلب ألف مرة" فهل ذلك ينقص من حسناتي بقدر قولي له: كلب ألف مرة، أم تحتسب سبة واحدة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن سبّ المسلم المعين بغير حق، محرم إجماعًا، بل هو من الكبائر عند بعض العلماء، قال النووي في شرح مسلم: سب المسلم بغير حق، حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وقال الهيثمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة التاسعة والثمانون: سب المسلم، والاستطالة في عرضه، قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا} [الأحزاب:58]، وأخرج الشيخان عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسق، وقتاله كفر». ومسلم، وأبو داود، والترمذي: «المتسابان ما قالا، فعلى البادئ منهما؛ حتى يتعدّى المظلوم». والبزار بسند جيد: «سباب المسلم كالمشرف على الهلكة». وابن حبان في صحيحه عن «ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قلت: يا رسول الله، الرجل يشتمني وهو دوني، أعليّ منه بأس أن أنتصر منه؟ قال: المتسابان شيطانان، يتهاتران، ويتكاذبان». ولابن حبان: «وإن امرؤ عيّرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيّره بشيء تعلمه فيه، ودعه يكون وباله عليه، وأجره لك، فلا تسبنّ شيئًا. قال: فما سببت بعده دابة، ولا إنسانًا».

تنبيه: عدّ [سب المسلم كبيرة] هو صريح هذه الأحاديث الصحيحة؛ للحكم فيه على سباب المسلم بأنه فسق، وأنه يؤدّي إلى الهلكة، وأن فاعله شيطان، وغير ذلك، وهذا كله غاية في الوعيد الشديد، وبه صرّح جماعة من أئمتنا، لكن المعتمد عند أكثرهم خلافه. وحملوا حديث: «سباب المسلم فسوق» على ما إذا تكرر منه، بحيث يغلب طاعته. اهـ. باختصار.

وأما قول: (أنت كلب ألف مرة) فلا يعد إلا سبة واحدة، فالعبرة بتكرار اللفظ.

وأما إتباع اللفظ بعدد معين، فلا يعدّ بمنزلة تكرار اللفظ شرعًا، قال ابن تيمية: إذا قيل للرجل: سبح مرتين، أو سبح ثلاث مرات، أو مائة مرة، فلا بدّ أن يقول: سبحان الله، سبحان الله؛ حتى يستوفي العدد. فلو أراد أن يجمل ذلك، فيقول: سبحان الله مرتين، أو مائة مرة، لم يكن قد سبّح إلا مرة واحدة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين جويرية: لقد قلت بعدك أربع كلمات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله مداد كلماته». أخرجه مسلم في صحيحه. فمعناه: أنه سبحانه يستحقّ التسبيح بعدد ذلك، «كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد»، ليس المراد أنه سبّح تسبيحًا بقدر ذلك، فالمقدار تارة يكون وصفًا لفعل العبد، وفعله محصور. وتارة يكون لما يستحقّه الرب، فذاك الذي يعظم قدره؛ وإلا فلو قال المصلي في صلاته: سبحان الله عدد خلقه، لم يكن قد سبّح إلا مرة واحدة. ولما شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبح دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويكبّر ثلاثًا وثلاثين، فلو قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، عدد خلقه، لم يكن قد سبّح إلا مرة واحدة. اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني